"الرجولية" و التلفظ بالكلمات الخسيسة

التقيتُ صديقا ليس تونسيا في مقهى بإحدى العواصم العربية، فلفت انتباهي وجود مجموعة من الشباب التونسي متقاربي الاعمار حول 25-30 عاما، ويبدو انهم حديثي العهد بالبلد:

- يتحدّثون بصوتٍ عالٍ ويفرضون على الناس الاستماع اليهم الى غاية الازعاج بقصصهم الفاضية واهتماماتهم المتبلّدة والمنسوب العالي من الالفاظ السوقية الهابطة (تقريبا كلمة هابطة في كل جملة). وقد كان هناك مجموعات اخرى من غير التونسيين، غادروا المقهى بصمت، ولكن باشمئزاز واحتقار.

- سألني الصديق عن سبب تضايقي وقلّة تركيزي على الموضوع الذي اتفقنا على الحديث فيه، فقلت له اني اتعب بعض الشيء خلال الويكند. فاعتذرَ، وانصرفنا….

التعليق،

- تعلّمنا منذ الصغر ان التلفظ بالكلمات الخسيسة وفرضها على الناس في الفضاء العام ليست مؤشر عدم التربية، بل عدم رجولية، لانّها في متناول كل الناس، لكن الكيّسين لا يلتجؤون لاستعمالها، وانّ هناك ثراءً في اللغة يمكن توظيفه.

- لستُ في موقع اعطاء الدروس لايّ كان في "الرجولية" ولا في غيرها، وقد يتفلسف البعضُ باعتبار هذا الانحطاط الاخلاقي ظاهرة اجتماعية يتفرّد بها التونسيون بالرجوع الى نص بيرم التونسي، فلا اوافقه والاّ سأعتبر هذا الفقر في "الرجولية" متأصلا في شعبنا، وهذا لا يرضيني ولا يرضي كل تونسي، لان بيرم التونسي ليس عالم نفس ولا عالم اجتماع ولا اعتبره مرجعا خارقًا لا في الادب ولا في الشعر عندما اقرأ لأدباء وشعراء آخرين (راي شخصي وموش موضوعنا). واذا كان الامر كذلك، فالعديد من المظاهر الاجتماعية منذ ذلك الوقت قد انقرضت وعُوضت بأنماط سلوكية اخرى.

- اذا كان هؤلاء الشباب مهاجرين للقمة العيش، وهذا حق لكل انسان في الكون- فانهم غابت عنهم مسؤولية "السفير" المصدّر لقيمة العمل وقيمة الاجتهاد وقيمة "الرجولية" وقيمة المساهمة في اثراء الثقافات الاخرى والاستفادة منها. وهنا فشل فاضح.

- اذا كانت هذه العينة تمثل جزءً من الشباب التونسي، فهم ليسوا الاّ ضحيّة نظام اسرة فاشل (ولا أعمم) ونظام تعليمي فاشل (وأعمم) على جميع الاصعدة، ولا ينفع استعمال كلمة "رأسمال بشري" لانّه -حسب ما يبدو- معقّد جدًّا، ولا مستقبل ولا خاطر ولا ماض اكثر تعقيدا.

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
عبدالكريم التواتي
27/08/2022 16:44
لا حول ولا قوة إلا بالله. افتضح امرنا في كل مكان.