"مشهد سياسي لا حزبي" ضد "مشهد سياسي حزبي"

لنتصوّر ان هناك من له مصلحة من الظرف الحالي الذي تمر به البلاد بالرغم من تعطّل المؤسسات في مجملها والناتج عن حالة الانتظار، وحالة ترقب المستثمرين لما ستؤول اليه الامور، وتعطل المفاوضات مع النظراء الدوليين، وارتفاع العنف اللفظي المتداول في الفضاء العام، وشيطنة التحزّب السياسي كاطار ضمن أُطر اخرى للفعل المواطني… وتوتّر المناخات عموما مع ضيق الافق في الاجل القريب، الاّ اذا جاءت الامدادات من الخارج.

فاذا كان الامر كذلك، فان المصلحة في الاثناء تكمن في تعزيز هذا التوتّر وضمان استدامته لانه بدونه لا يمكن المواصلة لان "الشعب في حد ذاته" انما هو حاضنة لهذا التوتر، وذلك بالآليات التي اصبح جزء هام من الاعلام متخصصا فيها بعد تجربة عشر سنوات من العمل الدؤوب، وهي الآتية:

- برمجة المبادرات "الثورية" وتوزيعها في الزمن : الاعلان يومًا عن اقامة جبرية، ويومًا عن اقالة ويوما عن تعيين، ويوما آخر عن القاء القبض على قضاة او مهربين، ثمّ زيارة ميدانية من خلالها يتم الحفاظ على حدّ ادنى من استدامة الحماس لدى "الشعب"؛ (قد تكون هذه البرمجة تلقائية، اكن التعاطي الاعلامي معها فيه لمسة ذاتية أي غير محايدة).

- تحويل حلبة الصراع من ثنائية "منظومة حالية فاسدة" ضد " منظومة جديدة تصون الشعب وتحقق له اهدافه من تنمية وكرامة"، الى ثنائية "خطر الاسلام السياسي" ضد "مدنية المجتمع" (تحتاج الى تفصيل) ، ومن المتوقع ان تتحول الحلبة المُعلنة الى ثنائية "مشهد سياسي لا حزبي" ضد "مشهد سياسي حزبي". وهي ثنائية لا تستقيم مع متطلبات الديموقراطيات ما بعد الحداثة (تحتاج الى تفصيل)، وهنا يلعب الاعلام دورا مهما في الحفاض على نسق الحماس لدى "الشعب" من خلال الدفع نحو اتخاذ مواقف بدون آليات فكرية سليمة.

- العمل على نشر الجانب القبيح للعمل السياسي، وذلك بالتركيز على تهويل المواقف السياسية لرموزه (يوسف الشاهد مثلا هذا الاسبوع، والقائمة قد تطول بقدر الحاجة) ؛

- تعظيم مبادرات عادية مثل التحويلات لفائدة المتضررين من الكورونا او التلقيحات وكأنّ الفرحة بذلك طالت الفرحة بالاستقلال يوم 20 مارس؛

- عدم استشارة وتمكين اصحاب الاراء الموضوعية في القضايا الخلافية وخاصة المفتعلة منها، وعدم الاجتهاد في ذلك، واعتماد التكرار الممل الى أن تسكن القراءات المستهدفة اللاوعي الشعبي وتصبح "بديهيات" ونقطة انطلاق للفعل.

ولكن في الاثناء، حتى ولو كان رئيس الحكومة جوزيف ستيغليتز، ووزير التجارة بول كروغمان، ووزيرة المالية جانات يالنْ، ووزيرة الاستثمار والتعاون الدولي نانسي ستوكي ومستشارها روبرت بارو، ووزير الخارجية كيسنجر ومستشارته انجيلا ميركل، ووزير الاصلاح الاداري جوهان روبنسون ومستشاره آسي مًغلو، ووزير الصناعة جون تيرول والناطق الرسمي مُزار الاتصال ايمانويل ماكرون ،… حتى ولو كانت الحكومة بهذا الكم الهائل من الكفاءات التاريخية، فلن تستطيع فعل شيء اذا لم تُطرح أزمة الحكم والازمة السياسية عموما على الطاولة واذا كانت (هذه الكفاءات) مغللةً وخاضعة الى متطلبات الشعبوية او اداةً لأجندة سياسية لا يعلم فحواها الاّ "الشعب".

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات