على هامش مقابلة البرازيل والكاميرون.

رُوي في التاريخ ان التتار لما اقتحموا العراق بهمجيتهم وقتلوا ما قتلوا من الناس امام ضُعف وهوان الناس من قادة وشعب… رُوي انّ التتاري كان بمفره امام مجموعة من الرجال الواضعين رؤوسهم في التراب وينتظرون التتاري ان يقضي عليهم واحدًا تلوى الاخر ولا يجرؤون على الاتحاد ومهاجمته، والاقلال على الموت بشرف، فهو آتٍ لا محالة.

كما رُوي في التاريخ انّ الاستعمار وجد مقاومةً مسلّحة محدودة في الزمن مقارنةً بطول فترة الاستعمار. بل كثيرا ما كان يحد محلّيين متعاملين معه، فيهم من قام بذلك بانتهازية، ولكن كذلك فيهم من كان مقتنعا بذلك إيمانًا منه بدور المستعمر في الحماية والتقدم التكنولوجي.

كما لم يرتق وعي العرب تجاه الهجرات المكثفة والمنظمة لليهود في العالم نحو فلسطين قصد الاستيطان منذ نهاية القرن التاسع عشر، واكيد ليس للسياحة. ولم ينتبهوا لمخاطر استحواذهم على احياء بأكملها وشرائهم للأراضي. وقد اعتُبر ذلك في البداية من "سماحة الاسلام واهتمامه باهل الذمة وبالمسافر وبالمهاجر".

وجاءت موجة "الاستقلالات" ابان الحرب العالمية الثانية وما افرزته هذه الاخيرة من اعادة توزيع مواقع النفوذ الراسمالية في العالم، وتغيير طريقة تعاملها مع المستعمرات القديمة. واستفادت من ذلك النخبُ المحلية بتمكينها من اعتلاء السلطة بعد مخطط سايسبيكو، حتى وان كانت الحدود السيادية للبلاد غير محددة في العديد من الحالات…

وانتشرت في تلك المرحلة نظريات التنمية المُصرّفة في المستقبل والمقتصرة على النموذج الغربي من "التصنيع" و "التعليم" ونمط الحياة. وكانت التعابير الثقافية متجهة نحو مصادر النفوذ العالمية، آخذةً منها مثالا فكريا و ثقافيا لا يُشق له غبار. حتى انّ النظريات المختلفة والمدارس الفكرية المخالفة لها كانت تُعتبر "اصوات ايتيروديكسية" لا جدوى من ورائها. حتى انّ الطرح الاقتصادي الماركسي آنذاك، على عُمقه المنفرد وصلابة بنائه المنهجي وبُعد النظر الذي يتّسم به كان يمثل نفسه كبديل للاقتصاد السياسي المهيمن ويسمي نفسه اراديا "انتقاد الاقتصاد السياسي".

ولمّا كان "الاقتصاد السياسي" في الحقبة الحديثة ومابعد الحديثة الاطارَ المشترك والقاعدة التحليلية -في آخر المطاف- للتحولات الاجتماعية وانماط توالدها، وذلك لتحديده لمسارات الشعوب وطرق تنظيماتها وسياسات دولها التي تختزل مجتمعاتها، فانّه لمْ يخلُ من عوامل عدم قدرته على التوالد بنفس النمط، حيث ان مواقع نفوذه قابلة للتحوّل. فكما تنازل راس المال الغربي منذ نهاية الثمانينات على اجزاء من سلاسل قيمته الصناعية والمعرفية، وتزعزع كيانُه في حرب الخليج، وتهددت سُبل توسّعه بصعود مجموعات اقتصادية مختلفة مثل "البريكس"، وتحوّلت مصادر تكاثر المعرفة من المادي الى اللامادي الذي هو اقل تكلفة واقل راس مال مادي واقل موارد بشرية، اصبح من الممكن منذ الثلاثين عاما الفارطة طرح اسئلة حقيقية حول مدى ارتباط نمط اعادة توالد القوى الانتاجية في الدول "النامية" بنمط البلدان المحسوبة على انها مهيمِنة!

فكما برهنت تجربة "جلمة " في الجنوب التونسي على عدم حاجة سكانها بالدولة المركزية، برهنت بعضُ الدول في العالم على عدم احتياجها بالاقتياد بالدول المهيمِنة تقليديا وذلك لدخولها في مسار تكاثر الثروة، مسار محلي يطوّع افرازات المسار الخارجي للشروط الداخلية (وليس العكس) ومن هنا ليس بالغريب ان تكون التعابير المناهضة للدولة في تونس من الجنوب الغربي حيث الزراعة اصبحت منذ نهاية التسعينات موردا مهما للاكتفاء عن البرامج الرسمية "التنموية"!

وكما يقول ماركس بان الانسان لا يسأل سؤالا الا اذا كانت الاجابة عليه ممكنة، اصبح من الممكن ان تنتصر الكامرون على البرازيل، او تونس على فرنسا، وليس غريبا ان يتصدّر المصمودي قائمة افضل العلماء في الرياضيات اوًانس جابر في التنس…

اعتقد ان معالم اقتصاد سياسي جديد حيث توزيع مواقع النفوذ سيميل نحو جهات خرى في العالم اسياوبة وجنوب امريكية وعربية بدأت تطفح على السطح بعقلية التحرر من الاستعمار الذي -كما يبدو- امر ساكن في العقول وان ارساء عالم تحترم الشعوبُ بعضَها البعض بات وشيكا.

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات