فلسطين جزءٌ لا يتجزأُ من وجودنا

قوية تلك الالة التي أنست العالم والشعوب المتعاقبة استخدام الأسلحة النارية في حق افريقيا وفي أمريكا اللاتينية البدائيّتيْن واستعبدت متساكنيها واستغلت ثرواتها بدون حق، وأبادت ثقافاتها وحضاراتها، وجعلت من رعاة البقر المحكوم عليهم بالإعدام في بُلدانهم الأوروبية الاصلية أبطالا ورعاة لحرية الانسان، و"شرفاء"، في كندا وامريكا وأستراليا وجنوب افريقيا.

قوية تلك الآلة التي أنست العالم والاجيال المتعاقبة استخدام القنبلة النووية في هيروشيما وناغازاكي والقصف بالطائرات في الفيتنام والكمبودج وكوسوفو حيث مدنيون آمنون فيهم من مات تحت القصف أو الأنقاض وفيهم من ورث امراضا مستعصية وفيهم من انتحر من شدة الهول ... ولم يُحاسب مقترفُو تلك الجرائم ضد الانسان. بل بات العالمُ يتودّد إليهم ويعتبرهم رعاة الحرية والديموقراطية، وفيهم من يثمّن دورهم "الملائكي" بالوكالة من بني الجلدة الواحدة بعد ان رأى الدنيا مُختزَلة في بعض المنافع الزائلة.

قويةٌ تلك الآلة التي أنست العالم والاجيال المتعاقبة ما قام به الهندوس في حق الباكستانيين من تطهير عرقي تحت انظار غاندي الصديق "السلمي جدا" والمتحاور مع الانجليز، ليصبح بطلا قوميا في بلد تمّ تقسيمه عرقيا…

قوية تلك الآلة التي اخترقت الوعي الجمعي وتسامحت مع تفكيك العراق وتهميش لبنان واستباحت سوريا وقسمت السودان وجعلت من نخبة كل منها تتخاصم على السلطة كأولوية وجودية.

قويةٌ تلك الآلة التي أنست العالم والاجيال المتعاقبة أنّ فلسطين جزءٌ لا يتجزأُ من وجودنا وانّ يقظة البعض الذين لهم هامش واسع من الحرية بعدم ذكر "الكيان الصهيوني" حرفيا في تدوينته احتياطا لغلق حسابه أو أن يقول حرفيا انّ هذا الكيان عنصري تيوقراطي" لا يمكن ان يتواجد أصلا في حِــقبة ما بعد الحداثة، فضلا على انه في قلب أمّةٍ تنزف نكبةً وتخلفًا وجهلاً وجوعا وعراءً وتبعيةً وقلة الحياء من عجزها ... ليس لغلق حساب الفيسبوك معنىً أمام اغلاق السبل في وجه شعب يعيش ليحيا وليس العكس.

فليغلقوا الحساب الى الأبد ان أرادوا، إذْ ليس له معنى أمام طفل فقَد ابويْه وآخر ليس له الحق في الألعاب الالكترونية، وشاب ليس له الحق في مواصلة تعلّمه لأنه يَــعُول أُمَّه الأرمل، وعائلات ليس لها الحق في الاحتماء تحت سقف واحد حتى نتحدّث عن حاجة التدفئة في هذا الشتاء القارص والتبريد عند الحرّ ... قوية هذه الآلة حقا.

قوية تلك الالة التي جعلت منذ عشرة أعوام خلت من بعض التّفه والمتسلقين في البلاد مُثقفينَ وخُبراء ومناضلين في أوقات الفراغ ووراء شاشة الهاتف أو في حوار ضمن "المجتمع المدني" أو مؤتمر موضوعُه خارج السّياق ... قوية حقا انها برمجت اللوجيسيال العقلي على أولوية التقييم الثنائي: هذا معنا وهذا ليس معنا. هذا يميني وهذا يساري. هذا علماني وهذا محافظ، ولكن طريف في نفس الوقت لانّه يحاكي أحدًا بصدد شراء الآيس-كريم، في حين انّ الواقع الموضوعي التونسي منذ عشرات السنين بنظاميْه التعليمي والاجتماعي مُجتمعيْن لم يتمكن من إفراز تيار يساري حقيقي جامع يؤمن في الواقع بمراكمة التاريخ في ضوء الصّراع الطبقي، ولا يميني مُخلص لمنظومة مراكمة راس المال السّائدة، ولا علماني متشبع بمفاهيم الحداثة الحقيقية ولا رجعي حقيقي يُعرقل المسار التصاعدي للتاريخ …

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات