شوية منهجيات… للتفاعل مع الاحداث الحالية..

كانت التدوينة السابقة حول اهمية "علم المنطق في المناهج التعليمية والتربوية" لتكوين جيل يصعب -قدر الامكان- التحيل عليه بالاخبار الزائفة والكرونيكارات المرتزقة والخبراء النكرات والمناورات الشعبوية والانقلابات الناعمة سواءً الثقافية منها او السياسية، فضلا عن هدف تعميم الذكاء والارتقاء بقدرات التفكير وهي مَعينُ الارتقاء الى "مجتمع المعرفة" القائم على الاستثمار في راس المال البشري.

وفي الحقيقة، بدون وضع "المنطق" سواءً "الصوري"، (القائم على مبادئ عدم التناقض، وعدم التحول والثالث المرفوع)، او "المنطق الجدلي" (القائم على مبادئ التناقض والتطور والتحول النوعي الناتج من التحول الكمي)، (بدون وضعه) في الاطار الاجتماعي، فانّه لن يغدو ان يكون الا ترفا فكريا لا يؤثّر في الواقع وفي وعي الفرد به. ذلك اننا لا نستغرب عندما نجد في بعض الاحيان باحثاً متبحّرًا في معرفته، يظن انه من صفوة الناس ونخبتهم الا انه ساذج التفكير، متبلّد المواقف (بمعنى شومبيتار)، مستقيلا من دوره الاجتماعي الذي هو "الشهادة على العصر"، ويلعب دورًا سلبيا في حركة التاريخ باختياره موقع المتسابق الحر (free rider)… وما تكاثرهم في السنوات الاخيرة الا مؤشر على أزمة اجتماعية حقيقية شبيهة بتكاثر العرافة والمشعوذين…

ولذلك افادت علوم المناهج التي قل نطاقها في البرامج التعليمية الجامعية منذ اصلاحات التسعينات، تاريخ بداية تدهور مخرجات التعليم وهيمنة "العقلانية الكمية" على "العقلانية النوعية" في المجتمع التونسي، افادت بالعديد من المغبات في التفكير وبالتالي في الفعل الاجتماعي، علّيَ اقتصر فيما يلي على البعض منها:

- مغبة الاغتراب الاجتماعي :

وهو ان الفرد يفقد جزءً من كيانه فينساق وراء التيار الجمعي )على معنى خروف بانيرج، mouton de (Panurge فلا يقبل الراي المخالف ولا الراي الابداعي ويعمد الحكم على النوايا باعتبار خلفيته التي حسم فيها بكل اصطفاف. وهذه مدعاة الى التطرف الفكري الذي يؤدي الى الارهاب بمختلف درجاته. (الخوارج، داعش، حركة ايتا، اصحاب العنق الاحمر بامريكا،…). وقد استُغلّت هذه الوضعيات في التقسيم غير العادل للثروات ولفرص العيش الكريم بحيث يتمّ احكام الرجوع الى اللاهوت او الكنيسة فيما قبل الحداثة التي كانت تُبارك الامر المقضي وتبرره، والى وثنية السلعة فيما بعد الحداثة للحفاظ على توزيع الريع بحيث يصبح الفرد مدافعا عن نظام اجتماعي هو أولى ضحاياه.

- مغبّة الاغتراب السياسي :

وهو الذي انتشر عند صعود الشعبوية والفاشية اللتيْن تستعملان خطابا في ظاهره "منطقي" وفي باطنه القفز نحو المجهول بغية التحكّم في الاغلبية من خلال الاستحواذ على الدولة والتي (اي الاغلبية) ليس لها من نصير الا الدولة التي هي بدورها من المجتمع وهو منها.

فتُرفع الشعارات الرنانة الخاوية من مضامين وتُشحذُ العزائم وتتعبّأ الطاقات لنفي خصم سياسي وشيطنته حلما بغدٍ افضل لن يكون. مثلما كان الحال في ايطاليا-ڤافور، وألمانيا-هتلر ومصر-الناصر وليبيا-القذافي وسوريا-الاسد. فخطاب بن علي ايام غزو العراق كان علميا من ارقى الخطابات الثورية الرّسمية في تاريخ تونس الحديث، التي ناهضت الامبريالية العالمية، ولكن كل هذه الخطابات والمناورات التاريخية انعكست بالداخل في التضييق والتوزيع غير العادل ، وعدم الاكتراث بتفشي الفساد ومحاربة باروناته لان ذلك يخضع الى موازين قوى، ولكن كذلك الى عدم التفرقة بين الهدف المُعلن والهدف غير المُعلن….

أخيرا، اذا لا تُستعمل علوم المناهج والعلوم عموما لتحرير الفرد باسترجاعه كيانه المسلوب، فلا وعي في الراي ولا وعي في الفعل ولا غد افضل ولا هم يحزنون.

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات