مِنْ تجميد الفكر والتعسف على الواقع

استمعت لمقطعيْن من حوار أُجرِي مع الأستاذ "التيمومي". وللأمانة قد يكون ما ذهب اليه من مواقف فكرية مُثيرة للتساؤلات ناتجا عن مستوى الاسئلة الموجّهة له وعدم اطّلاع المُحاوٍرِ على الادبيات في الشأن، ولكن يمنحني ذلك تحرُّرا فكريًّا في التفاعل معه باعتبار توجُّهه لعموم الناس في الفضاء العام. وما احتفظت به ممّا قاله هو الآتي:

في تفسيره للأسباب التي جعلت من التونسيّين أكثرَ الشُّعوب كلامًا بذيئا، فإنّ كلامَه لا يتعدّى خواطر ذات العلمية المنخفضة والعُقم المنهجي. وقد حصر أسباب كثرة الكلام البذيء في تونس في معطيات تاريخية قد يؤاخذُه عليها المتخصّصون في علم الاجتماع وفي تاريخ الحقبة التي رجع اليها بالنظر. وحسب ما قاله، فإن أهم الأسباب تعود الى :

(1) "عصور الانحطاط". في حين أنّ تونس لم تنفرد بها.

(2) "الكبت الجنسي". وهو كذلك لم يكن خاصا بتونس إن ثبت. ولم يتحدّث عمّا إذا كان هذا الكبت متواصلا الى يومنا هذا، وهل تطورت أسبابُه.

(3) " المكبوت البربري" بذكرِه ِقصّة الضيف في البيت البربري الذي يقدِّمُ له صاحبُه الكسكسي ثمّ الزوجة أو البنت او الابن، استنادا الى مثل تونسي هابط لم يبرهن على منشئه، إذْ قيل "بالعامية التونسية" وليس بالأمازيغية أو غيرها من اللغات الاصلية واللهجات المحلية. ولكن إذا كان هذا مُعطىً اجتماعيا تونسيا خالصًا، فهو يتناقض بالضرورة مع ما ذهب اليه من " المكبوت البربري" في حدّ ذاته.

(4) "النزعة التسلطية للحُكّام" والتي تنتشر من خلال الناس. وهي ليست خاصة بتونس.

(5) " الشعور بالإحباط". كذلك ليس خاصا بالمجتمع التونسي، علاوة على ضرورة البرهنة عليه مما يستوجب اختصاصا في علم النفس الجماعي في الحقبة التاريخية المذكورة.

(6) "دور الاتراك في القرن التاسع عشر". ولكن الاتراك لم يحكموا تونس في القرن التاسع عشر، بل تم الانفصال عنهم وبناء الدولة الحسينية منذ بداية القرن الثامن عشر (1725). وحتى إذا ثبت تواصل تأثير الاتراك عبر الزمن على "المُعطى الأخلاقي"، فانّهم قد حكموا جُل الدّول العربية وجزءً من أوروبا الشرقية!

(7) "التخبط اللغوي". وهذا لا يحتاج الى تحليل، فهناك العديد من المجتمعات التي فيها تخبط لغوي مثل مالطة ولا نجد في لغة المالطيين منسوبا مرتفعا من الكلام البذيء.

أعتقد ان "التيمومي" قد أخطأ المنهجية والمراجع. المنهجية، لأنه لم يبرهن – إحصائيا على الأقل- على خصوصية المُعطى الاجتماعي وتطوره عبر الزمن مقارنةً بالمجتمعات الأخرى، وهذا يحتاج الى جُهد ودراسات متعددة الاختصاصات. وفي المراجع، لأنه لم يذكر مرجعًا واحدا حول "النظم اللغوية" و"علاقتها بالاتصال ضمن المجتمع" (Wittgenstein) مثلا أو منظّري حلقة فيانا (Cercle de Vienne) وكذلك حول مفهوم "القيم الاخلاقية" وما إذا كانت ثابتةً أو متغيرة.

وأما فيما يتعلّق بمقولته إنّ "غرامشي" قد "انتصر على "ماركس"، وأنّ "مهدي جمعة" قد انجز البونابرتية" وأنّ تونس تعيش الان " التدمير الاجتماعي المُعمّم" و"التمثيل بجثة الدولة"، وكأنّ الدولة ليست القوة المركّزة للمجتمع حسب ماركس نفسه، فانّ الاستاذ التيمومي قد اقحَم مصطلحاتٍ قديمةً من نظريات تحتاج الى تحديث ومراجعات في تعسف فاضح على واقع مُغاير لم تنشئ فيه هذه النظريات ويحتاج الى مُصطلحات ومفاهيم حديثة نابعة من الواقع الحالي، فضلا عن أنّ ذلك تمّ طرحُه بمعزل عن نظرية الدولة والريع الاجتماعي، وقد أعود اليه في نص آخر لضيق المجال.

فما الذي يجعل أستاذا جامعيا يفوّت فرصة المساهمة في الارتقاء بالخطاب لدى عموم الناس؟

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات