على هامش قانون المعطلين... في بلاد عدم المحاسبة

Photo

أعتقد أنّ المشكل أعمق من نصّ قانون تمّ اعدادُه بتسرّع...فاشتداد النقاش والتجاذبات بين الكُتل النيابية حوله إنما هي انعكاس لأُولى التناقضات الاجتماعية من داخل "السيستم الحالي" التي تراكمت فيه خلال السنوات الاخيرة وبْدَأت تطفح على السّطح بطريقة تبدو غير رجعية. ومن المنتظر أن تظهر تناقضاتٌ أخرى مادامتْ الحسابات السياسية الضيقة وقصيرة المدى طاغية على استراتيجيات بعض الأحزاب. ولذلك كان من المهمّ الوقوف عند بعض الملاحظات:

– بالرغم من أنّ الذين مرّوا على رأس وزارة التشغيل من عام 2011 الى الوقت الحالي، ليسُوا بالضّرورة من أهل الاختصاص مع اعتبار حُسن نواياهم. وحتى لو كانوا متخصّصين أفذاذا أو كانوا مُحاطين بأبرز المستشارين وأعتى الفِرق العاملة وكان لهم برنامجٌ متكاملٌ متعددُ الأبعاد، (إذ أنّ "علم اقتصاد العمل" ميدانٌ مُعقّدٌ جدّا ويرتبط تقريبا بكُلّ المجالات الاقتصادية الأخرى) ... حتى ولو كانوا كذلك، فإنّهم لن يستطيعوا تقديم شيء يُذكر في هذا المجال في فترة لم تتجاور في المتوسط السنة وفي أفضل الحالات السنة ونصف السنة. فالمُشكل يصبح اذن حسب رأيي المتواضع في أسباب عدم الاستقرار الحكومي الذي وجب الالتفات اليه واستخلاص الدروس منه.

– أوّل فريق دام نسبيا طويلاً في الحُكم هو فريق حكومة 2016-20 حيثُ كانت فرصةً للعمل على ملف التنمية الشاملة ومنه "سوق العمل"، ولكنّه لم يهتم بالتشغيل حسب كلّ قوانين الميزانية والقوانين المتعلقة بـ "الشركات الناشئة" (ستارت آب) التي صَدّق عليها البرلمان في عُهدته. بل بالعكس، بقطع النظر عن "حوار وطني حول التشغيل" رُوّج اليه إعلاميا حيث المُخرجات جُعلت في الرُّفوف، كانت اختياراتُه الاقتصادية الفعلية غيرَ ملائمة مع التشغيل باعتبار اهتمامه بالمدى القصير وقد غلّب السياسات التعديلية والضريبية قصيرة الأجل ذات النطاق المحدود على الاستراتيجيات التنموية الدائمة.

وكانت "قصةُ كُتلة الأجور" التي تُوقف التوظيف في القطاع العام بمعزل عن قدرة القطاع الخاص على لعب دور إضافي في خلق مواطن الشغل. فلا سياسات تحفيزية صناعية ولا استراتيجيات جهوية بارزة اتُّخذت. وقد اخذ ملف كتلة الاجور والعجز العام الأهمية الأكبر لدى الوزراء المعنيين الذين سوّقوا له في الاعلام وحتى في الدوائر الاكاديمية والجامعات ويبدو انّهم نجحوا في اقناع الناس في الفضاء العام بأهميته بالرغم من ان الحكومة لم تكن مُرغمةً على اتلاف ملف التنمية المستدامة حتى ولو كان صندوق النقد الدولي فارضا الاهتمام بالموازنات المالية العامة والاستقرار المالي قصير الاجل. ويرجع هذا كذلك الى وبرامج وزراء التنمية المتعاقبين الذين لم يجعلوا منها أولويةً.

– وفي الاثناء، تراكم الوافدون على سوق العمل وأصبحت البطالة امرا هيكليا يُنذر بانفجارٍ اجتماعي وشيك خاصة في إطار الازمة الحالية وندرة الموارد التمويلية والتقوقع في مربّع السياسات الضريبية والتحويلات الاجتماعية كما يبدو في ملامح مشروع المالية للحكومة المُقالَة….

– أخيرا، وبدون التعرض الى تقييم القانون أعلاه في هذه "التدوينه" لأنه لا يحتاج تعليقا معمقا، أعتقد انّه حان الوقت للأحزاب السياسية ودوائر السلطة ذات الحد الأدنى من الاهتمام بالوطن ونكران الذات أن تنئ بنفسها عن التطاحن السياسي وان تكفّ عن الاكتراث بالأحزاب المستثمرة في مستقبلها السياسي على حساب مصلحة البلاد والتي غلب عليها طابع الانتهازية في اختياراتها والاطنابُ في التبريرات في خطابها اليومي الذي أصبح رتيبا يُحاكي التبلّد الذهني بمعنى شومبيتر.

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات