التفكير هو الذي يتكلّم

نشرت البارحة بعض الصحف الامريكية (انظر مقالا في اول تعليق) خبرا مفاده ان مجموعة من اعضاء الكونجرس يهددون بالضغط لتخفيض المساعدات الامريكية لتونس جراء الزيارة التي قام بها وفد يقوده "مرفي" الذي هو رئيس شؤون الشرق الاوسط بالكونجرس، الى رئاسة الجمهورية في قرطاج، وذلك بسبب ما اعتبره "فشل الرئيس قيس سعيد في تشكيل حكومة جديدة بعد تجميد البرلمان.

ومن المتوقع أن يصدر مجلس الشيوخ ويصوت على نسخته الخاصة من مشروع قانون المساعدات الخارجية في الأسابيع المقبلة (حيث لتونس 197 مليون دولار)، مما يمنح مورفي فرصة كبيرة لإقناع زملائه في كلا المجلسين بقطع المساعدات التونسية ما لم يعين السيد سعيد رئيس الوزراء المكلف".

طيب.

- سوف لن اعلق على كلام صحفي في احدى الاذاعات المحلية القائل "إنّ البرلمانيين الذين زاروا قيس سعيد ليس لهم تأثير على السياسات الامريكية". وهذا كالعادة من قبيل الهرطقة.

- يمكن لاي رئيس في العالم ان يضع السيادة الوطنية واستقلالية القرار شعارا منطقيا وهو محق في ذلك، لكن هناك مسؤولية مجتمعية تحكّمُ بين بناء قواعد استقلالية القرار والقدرات لتحمّل تبعات ذلك عندما يتعلّق الامر بمدى استعداد "الشعب" لمساندة صاحب القرار.

فلمّا اعلن "هوشي منه" الدفاع عن السيادة الفيتنامية والكفاح ضد المستعمر الفرنسي فان كل الشعب الفيتنامي سنده وانخرط في ذلك، وكان من بُناة الدولة، وسُمّيت العاصمة باسمه تخليدا له. وكان ذلك على عكس ما ادعاه الامبراطور الياباني "هيرو هيتو" قبل هجمة نكازاكي وهيروشيما، والزعيم الليبي القذافي قبل الهجوم على طرابلس وبن غازي، وانور خوجه في البانيا، وصدّام ليلة حرب العراق لمّا انتُخب بنسبة حوالي ٩٠٪؜، والامثلة كثيرة التي لم تروِ لنا قصص الحفاظ على كرامة الشعوب.

- منذ ما يقارب العَشريتين او يزيد، اي بعد سقوط حائط برلين وانهيار الاتحاد السوفياتي، اصبحت "الديبلوماسية الخارجية" اقتصاديةً بحتة. اي انّ النظرة التقليدية للعلاقات الجغراسياسية، التي كانت قائمةً منذ اكثر من خمسة قرون على الاقل والقائمة على التدخل بقوة السلاح، والمخابرات الامنية والتحالفات السياسية حيث الجانب الاقتصادي كان جزءً من منظومة ديبلوماسية، قد تمّ التخلي عنها لفائدة "المصالح الاقتصادية المتبادلة" كمحور اساسي في حزمة ديبلوماسية، وبقية المعطيات الاخرى انما هي اجزاء تابعة.

لذلك نجد هيمنة الصين على بقاع كثيرة في العالم بدون قوة السلاح وكذلك انجلترا والمانيا والنورفاج والسويد، وما التغيير التدريجي للسياسة الخارجية الامريكية بسحب قواتها العسكرية من افريقيا ومن بقاع اخرى وتعويضها بشراكات اقتصادية استراتيجية الا دليل على ذلك. لذلك وجب تغيير العقليات حتى تواكب التحولات الجغراسياسية في العالم وفي الاقاليم.

- يمكن اعلان مبدا السيادة الوطنية، وهو شعار مشروع، انّما اصبحت القوة الناعمة" حسب آلياتها الحديثة فعّالةً اكثر من المجابهة الكلامية في عصر ما بعد الحداثة حيث "التفكير هو الذي يتكلّم"، ولنا في ذلك مثل السياسة الخارجية البريطانية.

- لنا ان نعامل القوى العالمية بالمثل، وهو حق كل الشعوب. لكن علينا ان نلتقط الرسائل المهددة حيث تأثيرٌ واحد على قرارات مجلس الادارة لصندوق النقد الدولي فقط، وبالتالي على البنك الدولي ومنه على البنك الافريقي للتنمية ووكالات الترقيم السيادي ومنظمات الامم المتحدة الانمائية، ستكون له تداعيات قد لا يقدر الاقتصاد التونسي في الاجل القريب تحمّلها، ما لم يكن لصاحب القرار المحلي بدائل مستدامة.

فالسيادة الوطنية هي مسار يُبنى من خلال اعداد اسباب الكرامة بدايةً من اقامة العدل والسلم الداخلية، وبوضع البرامج التنموية اللازمة وبالشراكة الاستراتيجية الاقليمية والدولية وبالتالي تنمية القدرات التفاوضية.

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات