"الخبراء"

يمكن ان نلاحظ انّ "الخبراء" الملتفين حول التيارات الشعبوية يتمايزون بإحدى أو بكل المعوّقات العلميّة ولذلك لا يمكن الاعتداد بهم. فالأمر ليس "الخطاب المنطقي في ظاهره" بقدر ما هو أعمق من ذلك بما يفضي اليه من اسباب الفشل. ويمكن الاختصار على النقاط التالية:

- بديهيًّا، تعمل التيارات الشعبوية على ازاحة النخبة المثقّفة الحقيقية لانّ الدور الاساسي لهذه الاخيرة هو ان تكشف الواقع كما هو وان تكون على نفس المسافة من كل مجموعات الضغط سواءً كانت اقتصادية، سياسية أو ايديولوجية كما جاء في أدبيات علم الاجتماع السياسي، بحيث لا تستقطب هذه التيارات الشعبوية الاّ النّخب المستعدّة للتنازل عن ادوارها الاصلية.

- ولمّا كان "العلم هو البحث في جوهر الاشياء"، فانّ الخطاب العلمي النقي يتعارض بالضرورة مع الخطاب الشعبوي القائم على السطحية والغموض وانتقاء مكونات الواقع التي تخدم المصالح السياسية، ولذلك تلتجئ هذه التيارات الشعبوية الى تجريح النّخب المثقفة الحقيقية والمس من صدقيّتها بالارتكاز على من استقطبتهم من "المثقفين" الذين تنازلوا عن دورهم الاصلي لفائدة اهدافهم الشخصية حيث تلتقي المصالح.

- تلتجئ كذلك التيارات الشعبوية الى اخضاع ارادة من يقترب من فلكها (من المثقفين) بتوريطها في مواقف سطحية لا ترتقي الى موقعها الاجتماعي . اذ رجل العالم مُطالب بالتفكير بكل حرّية والاتيان بحلول هيكلية لقضايا هيكلية تعيد النظر في "النظام برمّته" ان لزم الامر، لا بالأجزاء التي تخدم اهداف الشعبوية التي هي سياسية بالأساس. ويمكن التذكير بالعديد من الاصوات التي اختفت لأنها استُعملت لأهداف ظرفية ثم تمّ التخلي عنها او تخلّت عن دورها بمحض ارادتها باعتبار عدم الاستفادة الشخصية من اقترابها من فلك الشعبوية.

- ولمّا كانت المعوّقات من "هشاشة بناء الشخصية العلمية"، أو من "عجز في الاستقلالية الفكرية"، أو من "ضعف في التكوين الاصلي" أو "غياب خلفية المثقّف"، منتشرة هنا وهناك بدون القدرة على تحديدها باعتبار ضعف نظام التقييم في المنظومة التربوية والتعليمية عموما، فإنها (هذه المعوّقات) تكون مخفيّةً كلّما صعدت مظاهر الازمة الاجتماعية والقيميّة بحيث تُصبح السطحيّةُ عُمْقًا والبداهةُ ابتكارًا والانتهازيةُ شجاعةً والانتحال صفةً محمودة. ولذلك لا يمكن للتيارات الشعبوية ان تأتي بحلول تفيد البلاد والعباد فضلا عن ابتزازها للعقول الضعيفة والنفوس الهشّة وتوطينها لآليات اعادة توالد الواقع بما فيه من هينات. فلا ازدهار ولا تنمية ولا نمو يُنتظر من النخب الطارقة لأبواب التيارات الشعبوية.

(*) ملاحظة: كل تشابه مع الواقع هو ليس من قبيل الصدفة وانّما مقصود.

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات