للشباب الذين لم يشهدوا الثمانينات وللكهول ذوي الحنين الى زمنهم الجميل في ضوء الظاهرة الاعلامية: رضا لينين (باختزال شديد)

Photo

- كان لــ "رضا لينين" في عام 85، والذي عُرف بهدوئه في التفكير، مواقف علنيٌّة مغايرة لمواقف جلّ الأطياف اليساريّة خاصةً في قضيتيْن وهما (1) عدم التصادم مع الاسلاميين كأولوية عوض التصادم مع النظام و(2) الخلاف الطلاّبي التاريخي حول خياريْن وهُما "المؤتمر الــ 18 الخارق للعادة"، و "المؤتمر التأسيسي":

- إثر ما عُرف بــ"انقلاب قُربة" الذي قام به "الطلبة الدّستوريون" بإعانة "الأمن" على المؤتمر الــ 18 "للاتحاد العام لطلبة تونس" في بداية السبعينات، ظلّت الحركة الطلاّبية تنشط في إطار" الهياكل النقابية المؤقتة" التي كانت مهمّتُها الأساسيّة المنتظرة تنظيمَ المؤتمر. إلاّ أنّه في الأثناء توسّعت أنشطةُ التيار الإسلامي في الجامعة بتوسيع مشاركته في انتخابات المجالس العلميّة واقامته لاجتماعات عامة واعلانه عن مواقف تُجاه بعض القضايا (الدولة والمجتمع والفعل السياسي...).

وقد ازداد وزنُه بتدفّق الأعداد المتزايدة من "القطاع التلمذي"، في الوقت الذي انقسم فيه التيار اليساري الى وطد، وطج، نقثوْ، ي-ج، مع تقلّص شعبيته بأحداث ما سُمّي بـــ "مجزرة منوبة، 82" ... وذلك في ظلّ أحداث سياسية محليّة وإقليمية متسارعة ومُكثفة وعميقة تُخاطب عقول ووعي النُّخب الطّلابية المناهضة للـــ "سّيستام" باعتبارها "الناطق باسم الوعي الجمعي" في المعادلات السياسيّة والاجتماعية آنذاك الى جانب الأطياف السياسيّة الأخرى التي كانت تنشط في سريّة أو تحت مظلّة الاتحاد العام التونسي للشغل.

- وفي هذا الإطار طرح "التيار البعثي" و"الاتجاه الإسلامي" بتماهي ظاهر من بعض التيارات غير المعروفة وقريبة من الفكر القومي العروبي حينذاك مشروعَ انشاء منظمّة طُلاّبية بديلة عن المنظمة القديمة على أساسِ قراءتها لتاريخها والتي تنتهي (هذه القراءة التي تمّ نشرُها في المجلاّت الحائطية في ذلك الوقت ومناقشتُها في حلقات النقاش أمام المدرج 1 في كلية الحقوق) الى جملة من التحفّظات حيال "الاتحاد العام لطلبة تونس"، لعلّ أهمَّها فيما أذكر وما اعتُبر :

(1) احتكار الهياكل النقابيّة المؤقتة للعمل النقابي الطلاّبي و

(2) اعتمادها الـ "العنف الثوري" المُنظّر له في الادبيات الماركسية من الجيل الثاني (يحتاج الى تفصيل) ،

(3) نشأتها "المُريبة" (أي المنظمة الطلابية) على يد رموز النّظام من حزب الدّستور الحاكم (المهيمن على الفضاء العام) منذ بداية الخمسينات حين التأسيس بفرنسا (منصور معلّة، حسان بالخوجة، وغيرهما)،

(4) التخاذل وعدم عقد المؤتمر الثامن عشر لمدّة تناهز الــ 14 عاما، و

(5) عدم اعتبارها لِدوْر الزيتونة عند قراءتها لتاريخ الحركة الطلاّبية.

- وفي المقابل، تشبّث عددٌ من التيارات اليساريّة برفض هذا المشروع البديل واعتبار :

(1) نُكرانه للمسيرة التاريخية للحركة الطلابية ومُكتسباتها النضالية و

(2) ركوبه على الأحداث و

(3) تزييفه للتاريخ، و

(4) اعتبار "الاتجاه الإسلامي" رجعيا بالمعنى الماركسي للكلمة، أي أنه يعرقل المسار التّصاعدي للتاريخ، بل الغاؤه يكون إنجازا للحركة الطلابية استنادا الى قراءات ماركسية، و

(5) مخاطر "تغوله في هياكل العمل اطلابي". ورُفع في هذا السّياق شعارُ: "واجب فرض الإرادة، 18 خارق للعادة".

- وفي الأثناء كادت النقاشات المطوّلة، التي أصبحت تستأثر اهتمام كل الطلبة (العاديّين والمُسيّسين) ووسائل الاعلام الأجنبية التي كانت تقوم بحوارات مُصوّرة ومُسجلة مع الطلبة داخل الكُلية، أن تكون "الوجبة الثقافية اليومية" في باحة كلية الحقوق حول هذا الخلاف طيلة حوالي سنة كاملة.

وفي يوم شَهِدْتُ مُداخلةً لــ "رضا لينين" الذي كانت له بعضُ مواصفات الرّيادة ضمن رموز اليسار بالجامعة، أمام حشد من الطلبة، مفادُها أنّه "لا بدّ من القبول بالاستفتاء العام لحسم الخلاف حتى لا تتشتّت الحركة الطلابيّة في ظلّ مخطّطات السّلطة التي – حسب رأيه– "لن تبطُؤَ في مهاجمتها أو اختراقها واحتوائها" ما بدتْ بوادرُه بعد سنوات قليلة ببناء أسوار حديدية ضخمة حول وداخل المركّب الجامعي وتحويل مشروع محطة البنزين قبالة المركب الجامعي على الطريق"X" اي شارع 14 جانفي، اليوم) الى مركز إقليم للحرس، مع فتح مراكز للشرطة داخل الكليات، عوّضت المجموعات الأمنية الخفية، أو ما سُمّي في ذلك الوقت بــ "مليشيا الحزب" التي أنشأها محمّد الصّيّاح أمين الحزب الاشتراكي الدستوري نهاية السبعينات.

وكان موقفُه (أي رضا لينين) هذا مرفوضًا من قِبل كلّ التيارات اليسارية الهامّة آنذاك للأسباب المذكورة أعلاه، وفي نفس الوقت أُقيم المؤتمرُ التأسيسي في عام 85 في كلية العلوم بتونس بإنشاء "الاتحاد العام التونسي للطلبة"، والذي كان "الاتجاه الإسلامي" آنذاك الطّرفَ الأوزن فيه الى جانب تيارات أخرى لم تكن معروفة. وفي المُقابل أُقيم "المؤتمر الــ 18 الخارق للعادة" للاتحاد العام لطلبة تونس بعد انقلاب 87 في كلية الحقوق، أي عام 88 حيث تم حلّ الهياكل النقابية المؤقتة. ومنذ ذلك الحين أصبحتْ في الجامعة منظمتان نقابيتان تجمعُ بينهما مشاغلُ الطلبة نظريًا، وتفرّق بينهما أيديولوجيًا الافعالُ والمواقفُ. وكأنّ بعضاً من الرّموز الطلابية آنذاك مازالت حاملةً الى يومنا هذا ذات المنهج في التعامل مع واقع قد تغيّر وبأطروحات لم يتمّ تحديثها، وهُمُ الآن في فلك السلطة والاعلام …

- والذي لفت الانتباه هو غياب رضا لينين في الساحة الطلابية منذ المؤتمر الــ 18 وكذلك ابان 14 جانفي، ذلك انه لم يكن له وجود في الساحة الإعلامية والسياسية كما كان منتظرا باعتبار وزنه التاريخي في التيارات اليسارية الطلابية على عكس الأسماء الأخرى، وكان بعض الآراء ترى أنّه تمّ التخلي عنه من رفاقه لمواقفه وللأسباب أعلاه، ولعل اهمّها هو مناداته بعدم الاستثمار في إزاحة ومعاداة الغريم الأيديولوجي بقدر ضرورة الاهتمام بواقع التونسيين المعاش والطبقة الكادحة....

الا أنه لم يكتف بهذا القدر من التموقع حيال اقرانه اليساريين الذين استبعدوه، بل أخذ يطالبهم بمراجعات فكرية وتجاوز هذا الحد بشق طريق آخر الى الحضور في بلاطوهات إعلامية سطحية يروّج من خلالها الى أفكار قديمة مستلهمة من تجارب فاشلة ومعاكسة لحركة التاريخ وهو يعلم جيدا انها لن تجدي نفعا بقدر ما تستهدف سحب البساط من التيارات اليسارية التي تمر حاليا بالتشتت السياسي والانشقاق......

اعتقد أنّ الوفاءَ للأيديولوجيا – مهما كانت– (لا للنظريات العلمية التي تتطور) لا يخدم متطلبات الانتقال الديموقراطي الحالي الذي مازال هشًّا والذي يحتاج أن يكون:

(1) مؤسّسيا،

(2) سلسًا،

(3) سريعا،

(4) جامعا لكل الفاعلين،

(5) مُحافظا على ما تمّ انجازُه حتى ولو كان ضئيلا، لأنّه (أي الوفاء لللايديولوجيا) يُضيّق من أُفق النظر للواقع في تعقيداته ويفرض قراءةً مُشوهة للحقائق باسم التغيير الراديكالي ويُحمّل الناس والاجيال تكلفةً قد لا يكونون مستعدّين لها.

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات