اتساءل عن الوقت الضائع الذي سيكلف البلاد والعباد الكثير…

تقريبا، كل المتحدثين في الفضاء العام منذ سنوات، يمكن معرفة ما سيقولونه قبل ان يتحدثوا مهما كانت المناسبة.

فاذا تحدث وزير المالية فانه سيقول ان الوضع المالي حرج ويجب علينا تجميع "كذا" مليون دينار للميزانية، وكان هذا الكلام يحتاج الى وزير وكان مهمة وزير المالية تقتصر على جلب الاموال والمديونية، لا اصلاح النظام الجبائي وتحفيز الاقتصاد وقيادة تمويل الاقتصاد واستدامة المالية العامة…

وإذا تحدث محافظ البنك المركزي فانه سيقول ان التضخم سيرتفع ولولا الاجراءات التي اتخذها لكان التضخم اعلى وان البنك المركزي مواصل في اعادة تمويل الاقتصاد وانه قام بما عليه القيام به وعلى الحكومة القيام بدورها. وكان البنك المركزي موجود في جزيرة منعزلة خارج اليات التنسيق ومواءمة السياسات الاقتصادية مع الحكومة والمعروفة في التجارب وفي الادبيات.

وإذا تحدث رئيس الجمهورية فانه سيقول ان اطرافا تريد العبث بمؤسسات الدولة في غرف مظلمة وانهم لا يفرقون بين الشرعية والمشروعية وان التاريخ شاهد عليهم. وكأنه يتحدث في ركن القراء في جريدة اسبوعية.

وإذا تحدث رئيس مجلس النواب فانه سيقول ان الوفاق ضروري وان توسيع الحزام الحكومي ضروري. وكان على الاطراف المناهضة ان تتقاسم معه وجهة نظره التي لم يروج لها حزبه ولم يعطها مضامينا.

وإذا تحدث منجي الرحوي فانه سيسب الغنوشي ويشتم الاسلاميين. وكان قضيته الاساسية كنائب شعب تقتصر على مأسسة العنف اللفظي.

وإذا تحدّث لطفي لعماري فانه سينتقد كذلك الاسلاميين ويمجّد الدستوري الحر ويكرّه الناس في الانتقال الديموقراطي. وهذا الكلام سهل ولا تستسيغه الا العقول التي تفكر خارج السياق التاريخي الذي تمر به البلاد.

وإذا تحدث صلاح مصباح فانه سيمجّد مسيرته الفنية وان هناك اطرافا حالت دونه ودون مسيرة فنية رائعة.

وإذا تحدّث المليكي فانه سيبرز "قدراته الفائقة" في التنمية الجهوية والحكم المحلي. والحال ان ابعاد التنمية الجهوية تتجاوز قصة الحوْكمة بأشواط وليست بالسهولة التي يسوق اليها.

وإذا تحدّث التبيني فان السامع سيندم على سماعه، وإذا تحدث المرايحي فانه سيقول ان السياسة الحمائية هي الحل للاقتصاد الوطني. وهذا خاطىء وبدون تعليق.

وإذا تحدث المفتي فانه سيعلن عن تعذر رؤيته للهلال، وإذا تحدث الشاهد فانه سيقول ان "نتائجه الاقتصادية" لم تحققها الحكومات الماضية. وهذا صحيح، لان في مدة نيابته الطويلة نسبيا، تدهور الاقتصاد الوطني وتعسف مستشاروه على علم الاقتصاد.

وإذا تحدثت عبو فإنها ستطالب الغنوشي باعتزال العمل السياسي، وكأنها ولية امره…

اتساءل ما إذا استمرت تونس في نفس المشاكل ونفس التحديات حتى تكون الادمغة محنطة الى هذا الحد. اتساءل كذلك عن قدرات التونسيين على هضم هذا الخطاب الرتيب والاقتناع به وترديده والاصطفاف مع مروجيه. اتساءل اخيرا عن الوقت الضائع الذي سيكلف البلاد والعباد الكثير.

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات