ومضات رمضانية حول بعض القضايا المهجورة

اعتقد ان النخبة الاقتصادية الماسكة تعريفيا بمفاصل الاقتصاد والتي ليست بالضرورة في تحالف عضوي، بل في تحالف - على الاقل- موضوعي سمح به فهمُها الدقيق لآليات توزيع الريع ومعرفتها الجيدة "من اين تؤكل الكتف"، اعتقد انها الان في فسحة وارتياح تام باعتبار حوزتها على نفس المواقع الريعية القديمة واعتمادها القوة الناعمة (Soft Power) وتأطيرها للدولة العميقة (Deep State)، كما استفاضت فيه الادبيات العلمية.

فأما عن أهم مظاهر ذلك، فيمكن ملاحظة :

(1) عدم بروز جيل جديد من كبار رجال الاعمال خلال العشر سنوات الاخيرة (عدى القلة النادرة في مجالات علمية غير تقليدية)، في حين نفس كبار رجال الاعمال الحاليين ومجمّعاتهم التي توسعت قد وُلدوا في عشرية السبعينات وقليلا منهم في الثمانينات. لكن هذا لا يعني عدم كسر عظام الاصغر منهم في مناخ اعمال مرتبك وغير مستقر.

(2) عدم وعي الطبقة السياسية الحاكمة في مجملها بأهمية تعديل "مفتاح توزيع الريع الاجتماعي" في كل المناسبات المتاحة سواء في البرامج الانتخابية او في ابرام "العقد الاجتماعي" عام (2013) من خلال "الرباعي الراعي للحوار"، او حتى في قوانين المالية، وكذلك في كل مشاريع القاونين المطروحة على البرلمان التي لا نجد فيها اجراءات تشغيلية وصارمة تحارب الموارد غير المُبرَّرة بالعمل او بالمنافسة. بل بالعكس، فقد كانت الدولة مثالا في استخراج الريع باعتماد "الاتاوة" في العديد من قوانين المالية!

(3) تعيين العديد من الوزراء في الجهات الاقتصادية والمالية والنقدية والذين ليست لهم خلفية "دور الدولة الشرعية في فرض مفتاح جديد لتوزيع الريع الاجتماعي"، بل اغلبهم يأتي لوزارته او لموقعه بدون برنامج مسبق وبدون حلم يراوده في الاصلاح الحقيقي، فيكون عرضةً للاستقطاب من قِبل القوى الناعمة المحافظة على الواقع كما هُو (Statu quo) حتى يقتصر دوره على السطحيات والوقوف عند حائط مبكى التمويل الخارجي والداخلي.

واما عن الجهة المقابلة المدعوة الى تثبيت موازين القوى، فقد انجرت في اغلبها نحو المعارك الخاطئة مثل :


(1) تركيز المحكمة الدستورية التي اعتقد ان البعد الايديولوجي طغى على معالجتها. واظن ان الكمّ الهائل من الصراعات اللافتة والمشاحنات حولها يكمُن في معطى ثقافي عقيم ويجسد ازمة عدم الثقة.

ذلك ان هذا الطرف لا يريد اعطاء الفرصة للآخر لأحداث "فقه قضاء" فيما يتعلق بأمور تخص الاحوال الشخصية او مدنية الدولة او مرجعيتها الدينية! وفي الاثناء تنتشر الممارسات الريعية والقواعد غير الرسمية والموازية في الضغط على اخذ القرار والقبض على الدولة (State Capture) وبالتالي القبض على الريع.


(2)انخراط القوى السياسية في معارك حول "اجهزة الاعلام" التي هي من أحدِّ القوى الناعمة في تشكيل الوعي العام حول القضايا المفتعلة. ولذلك نرى كمّا هائلا من المجهود المبذول والاصطفاف غير العقلاني لأنه قائم على خلفية محنطة منذ قضية دار الصباح الى وضع "الهايكا" وأخيرا مشكلة تعيين مدير لوكالة تونس افريقيا للأنباء… في حين اننا ننسى ان العديد من وسائل الاعلام مملوكة من رجال الاعمال حيث قضايا توزيع الريع التي هي الفاصل بين الجمهوريتيْن لا تسمع لها ركزا.

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات