"اللُّومْ بعد القْضاء بِدْعه"

صحيح، "اللُّومْ بعد القْضاء بِدْعه" مثلما جاء في المثل الشائع، لكن اذا حمّلنا مسؤولية الوضع الكارثي الحالي الصّحي والاقتصادي للمشيشي وفريقه فقط، فذلك يكون تعسّفا على الرجل رغم أنّه يتحمّل جزءً من المسؤولية.

القصة تبدأ من شهر مارس 2020، عندما أشار العديدُ من المتابعين من خلال المقالات المنشورة في الصحف التونسية أو في شبكات التواصل الاجتماعي، وقد كنتُ منهم، الى أنّ الازمة "نظامية"، أي متعددة الابعاد، وأنّها ليست صحية فقط، وأنّ ادارتها الفعلية من قِبل الحُكومة أنداك لم تكن خاضعة للمناهج المعرُوفة ولا الممارسات المتبعة في إدارة الأزمات النظامية ومتابعتها واستباق آثارها ورسم سيناريوهات تطورها، وأنّ جائحة الفيروس التاجي المستجد اذا كانت منحةً وقتية من السماء لبعض الحُكام (لبنان، السودان، العراق،...) بإيقاف موجة الغضب والاحتجاجات، فإنّها كانت في نفس الوقت تأجيلًا للانفجار الاجتماعي عندما تُصبح آثارُها غير رجعية. وأبيّن فيما بلي أن الازمة لم تتمّ ادارتُها وذلك بالاقتصار على نقطتيْن، وهما:

1. الأزمة ليست صحيّةً فحسب:

أشارت العديدُ من النشريات العلمية منذ بداية الأزمة الى أنها ثلاثية الأبعاد ومُعقّدة، اقتصادية-صحية-اجتماعية، وقُلنا إنّ تغليب بُعدٍ على آخر سيُرهق الحاكم والمحكوم وأنّ الخلاص لا يكمن في تفادي كل الخسائر البشرية لأنه من باب المستحيل على اعتبار الملامح الثابتة للجائحات منذ قرون، ولا يكمُن كذلك في أداء اقتصادٍ بدون توسّع في العجز العام وبدون تدهور في النمو وارتفاع البطالة باعتبار إجراءات الاغلاق الصحية اللازمة في الداخل وفي الخارج، وأنّ العملية تُصبح التوفيقَ قدر الامكان بين الهدف الصحي (التقليل من الإصابات) وتوفير الحد الأدنى من النشاط الاقتصادي الذي يوفّر "الكفاف" فقط وليس الاستعداد للموسم السياحي ولا بطيخ.

كما أشرنا -انطلاقا من تجربتنا الميدانية من بلد آخر والذي يبدو أفضل من تونس في إدارة الازمة بالرغم من أننا أكثر منهم رأسمال بشري- أنّ ذلك لن يتحقق بدون إعادة ترتيب سُلّم الأولويات والاهداف التقليدية للسياسات الاقتصادية (التضخم، الموازنات العامة، دفع الاستثمار، وغيرها). الاّ أن الحكومة والبنك المركزي في ذلك الوقت لم توليَا لهذه النقاط المنهجية الاهتمام اللازم بل وصل بهما الامر الى توسيع دائرة الخلافات بينهما في الفضاء العام كما لم تكن النتائج الصحية المنجزة مضمونة الاستدامة، وكان الاهتمام الابرز بمشكل تضارب المصالح في الحكومة، والصّراعات المؤسفة في البرلمان والتصريحات خارج السياق من رئاسة الجمهورية….

2. لم تتمّ إدارة الازمة:

قد يتفاجأ البعض من هذا الرأي، لكن عندما يتأخّر القائمون الميدانيون على الأزمة عن تشريك كل الطاقات الوطنية، وعن اعداد قاعدة بيانات قطاعية-جهوية-اجتماعية خلال الازمة ذات النطاق الزمني الأسبوعي حتى يتسنى الاستهداف الدقيق في التحويلات الاجتماعية وفي السياسات الضريبية…. كيف لهُم ان يديروها ويدّعوا الانتصار عليها؟ كيف تتم إدارة الازمة بدون معلومات وبالتالي بدون تقديرات مستقبلية؟ كيف يمكن إدارة الزمن بدون معلومات؟ لماذا لم تتحوّل الأزمة – كما ورد في الادبيات الاقتصادية- الى فرصة لتقييم القدرات الحقيقية للنظام الصّحي؟ لماذا لم يتمّ التعاقد مع مخابر بحث عالمية؟ لماذا لم يتمّ اعداد مذكرات تفاهم لشراكات دولية ثنائية جديدة في بعض القطاعات الاقتصادية تدخل حيّز التنفيذ حالما تنتهي الازمة الصحية؟

لا أبالغ بهذه الافكار لأنها كانت مُقترحَة ومنشورة منذ بداية الازمة وأنّ بعض الدول قد اتبعتها ودخل بعضُها حيز التنفيذ مؤخّرا في المجال الطاقي والبنية التحتية واللوجستيك.

على كل حال، جاءت الموجة الثانية ووجدت الإطار الملائم للانتشار، وتعددت السّبل في مواجهتها الى غاية التناقض والحيرة وانحصرت الحلول كالعادة في التحوير الوزاري من جهة وفي الحوار الوطني من جهة أخرى…

الله يهدي.

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات