حول الاستغراب من أداء محمد عبو في الاعلام…

Photo

قال أحدهم "لو لم يذهب الى الاعلام لكان أفضل"، وقال الآخر "لقد اسقطوه في كمين"، ونصح آخر بـــ "ضرورة الاستعداد للخروج الى الاعلام لأنه سلاح ذو حدّيْن"، الخ. ولكني – مع اتفاقي معهم– أستغرب من كل هذا الاستغراب لأنني أعتقد أنّ العديد من وسائل الاعلام تعتمد منذ سنين نفس الاستراتيجية غير المهنية إمّا بمهاجمة أحدٍ أو بالدفاع عنه. وما الأمثلة التالية الاّ للذكر وليست للحصر:

– استدعاء ضيف واحد، مواقفُــه محلّ جدلٍ، ومحاورته بأسئلة حيث الإجابة ليست في متناول المُحاوِر (الصحفي):

(1) استدعاء محافظ البنك المركزي بمفردِه العديد من المرات في عاميْ 2012-2013 والحديث معه حول سياساته النقدية التي انتُقدت علميّــا ولم تكن محلّ اتفاق ضمن المتخصّصين انذاك، أو حول "استقلالية البنك المركزي" حيث كانت طريقة المُطالبة بها محل جدل وانتقادات باعتباره لم بقدّم بديلا ضمن الانماط المعروفة في العالم من الاستقلاليات. فبقي في ذهن المواطن العادي أنّ استقلالية البنك المركزي مكسبٌ مهمّ في حين انّ الحقيقة ليست بهذه البداهة اذْ البنك المركزي كان مُستقلاّ بطبيعته منذ قانون البنك المركزي القديم الراجع الى عام 2006.

(2) استدعاء وزير المالية المستقيل للحديث عن التعويضات التي حسب رأيه غير المحايد وغير العلمي هي التي أنهكت المالية العامّة بدون إعطاء رقم واحد في حين أنه تمّ تكذيبُه فيما بعد من قِيل وزير الوظيفة العمومية والاصلاح الاداري المستقيل. ولكن الشيء الذي بقي في أذهان الناس أنّ مشاكل العجز في ميزانية الدولة ليست له ايّة علاقة بسُوء إدارة المالية العامة وبغياب السياسات الاقتصادية الكُلية خلال السنوات 2015-2019.

(3) استدعاء محافظ البنك المركزي في عام 2016 للحديث عن "قانون البنك المركزي" الذي كان محلّ انتقادات. الامر الذي رسّخ في فهم البرلمانيين الموافقة عليه في حين أنّه كانت انذاك العديد من المقالات والمحاضرات العلمية – ساهمتُ شخصيا في احداها– تُــبرز العديد من النقائص فيه. ولكن ذهب في فهم الناس والسياسيين أن هذا القانون ممتازٌ.

– استدعاء ضيوف يقولون تقريبا نفس الشيء وفي توجّه واحد يخدم جانبا على حساب جانب آخر في مواضيع ذات جدل وغير محسومة. فيترسّخ في الاذهان أنّ ما يُقال حقيقةً مُطلقة في حين أنّها تخدم أجندة طرف سياسي أو لوبي دوون آخر:

(4) تقريبا كل البرامج الحوارية في قناة :"تونسنا" و "الجنوبية"، خاصّةً.

– استدعاء متحدثين غير متخصّصين في مواضيع معينة وتقديمهم على أنّهم خبراء :

(5) تقريبا كل القنوات التلفازية منذ عشر سنوات تقوم بذلك، مّما نشر المفاهيم الخاطئة في المجال الاقتصادي وجعل من هذه المنابر الحوارية مجالسَ حُكم ولجان قضاء بــ "النجاح أو الفشل" فترسّخ لدى العامّة معايير غير دقيقة في تقييم الاشخاص والأفكار كما جعل جُملةً من المواضيع المعقّدة لدى المتخصّصين مثل "التشغيل" و "السياسة النقدية" و "استدامة الدين" و "التجارة الخارجية" و"اصلاح الإدارة" و"استراتيجية التصدّي لجائحة الفيروس التاجي المستجد" و"الإصلاحات الهيكلية" و"دور الأحزاب السياسية في الانتقال الديموقراطي" والتصرف في الموارد الباطنية" وغيرها من المفاهيم التي تمّ التعاطي معها عبر الاعلام من زاوية ضيقة من خلال غير المتخصّصين والتي باتت محلّ مواقف انتخابوية قصيرة الأجل. فترسّخ لدى العامة أنّ كل الحكومات فاشلة وأنّ الديبلوماسية التونسية خاطئة وأنّ السياسة النقدية قامت بأقصى ما استطاعت القيام به... وكل هذه المواقف مجانبة للدقة اللازمة…

– استدعاء شخص مُحاط بمجموعة تدافع على نفس التوجّه لنزع المصداقية عنه :

(6) أقتصر على تجربة قصيرة حيث استُدعيت الى حوار اقتصادي في قناة حنّبعل عام 2013، مع وزير مالية سابق متخصّص في التاريخ ولا في الاقتصاد الكُلي ولا في قضايا النّمو ولا التجارة الدولية، وزميل من الكلية غير معروف بمنشوراته وباختصاصه المُعلن في التحليل الاقتصادي الكُلي وكان متحزّبا في وقت النظام السّابق، وشخص آخر غير اقتصادي وكان ذلك بإدارة الحوار من منشّط كان عضوا في البرلمان زمن النظام السابق. وكان حديثُهم بسيطا جدا لا يرتقي الى ابجديات التحليل الاقتصادي ولا المسؤولية المجتمعية ومع ذلك انتصروا في مقاطعة التدخلات ورفع الاصوات والسطحية والمغالطات، في الوقت الذي كنتُ أشعر فيه بالمستقبل السيء للبلاد.

(7) استدعاء محمد عبو البارحة حيث كان فريسة لغرمائه السياسيين بمختلف أهدافهم. هذا ينزع منه مصداقيته في محاربة الفساد والأخر يجرّه الى حلبة الرجوع الى المربع الأول قبل انهيار النظام السّابق، كما ساهم – هو في حدّ ذاته– في اثبات جزء من ذلك.

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات