على هامش الاحداث،

مكّنت الحروب في العشريات الأخيرة لأجيال متعاقبة من الاطلاع ومن معرفة أماكن في العالم ومصطلحات مُستحدثة. فجيل الستينات شهد الحرب الإيرانية-العراقية ووصلته أخبار عن الحوزات العلمية وطهران واصبهان والنجف والطالبان ومضيق هُرمز... وشهد كذلك الحربَ في أفغانستان ووصلته أسماء مُدن وأماكن مثل قندهار وكابول وأسماء شخصيات مثل "الكمونون مسعود" و"حلف الشمال"،

كما شهد معيّة جيل السبعينات حربَ الخليج بما في ذلك كركوك والبش مارقا والاكراد و"التشلبي" وكولن بأول والحرب في الشيشان وعبد ربّ الرسول سيّاف والهجوم على بُرجيْ نيويورك التجارييْن. ومن جهة أخرى كانت الحرب في يوغسلافيا وغروسني ومونتنيقرو ودور قوات الناتو المتأخّر جدّا حيالّ الجرائم المرتكبة ضدّ الانسانية.

ومن جهته، عاين جيل الثمانينات الحروب في سوريا ولبنان واليمن وليبيا بما في ذلك من "مضيق باب المندب" و"أدلب" و"معرّة النعمان" و"حمص"…

هذه من أهمّ الحروب التي تفاعل معها الشعب التونسي عبر الاخبار بدرجات متفاوتة من الموضوعية حيث جرعةَ الانطباع والعاطفة والايديولوجيا كانت مهيمنة على المواقف عبر الأجيال بخصوص معطيات بديهية لم يكن – طبيعيّا- للاختلاف مكانٌ. فلا مبرّر لبراميل متفجّرة يكون ضحاياها الأطفال والمدنيّون في سوريا، ولا مبرّر لتهجير المتساكنين قسرا من دارفور ولا من شمال العراق ولا من موقاديشو ولا يمكن عدم ابداء الرأي الصواب تجاه المظلمة التي تعرّض اليها مسلمو الإيغور.

فلنقارن مواقفنا واهتمامنا بما يقع في العالم. ما الذي يشدّ المثقّف في بلادنا أكثر انفصال بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي أو تقسيم السودان الذي قبله المجتمع الدولي، في حين أنّه لم يقبل انفصال منطقتي دونيتسك ولوهانسك -ولو أنّ الظرف مختلف-؟ ما الذي يشدّ المثقّف أكثر، الانقلاب في تركيا واستيراد الكاجو والكاكاوية منها أو الغياب التام للسياسات الاقتصادية والتجارية في تونس والعجز والهوان فكريا وميدانيا في إدارة الشأن العام؟

كيف ينتصر بعضُنا للهجوم العسكري في أوكرانيا ويندّد البعض الاخر بأوكرانيا لاقترابها من الحلف الأطلسي في حين أنّ هذه القضية ليست عادلة من الجهتيْن في جوهرها عندما تُطرح بهذه المفردات؟ …. ألسنا ضحيّة أجندات إعلامية تقودها كبرى "مصانع الترويج الإعلامي في العالم" في حين أنّ واقعنا الداخلي يتدهور يوما بعد يوم؟

أخيرا، إنّ الحروب – بقطع النظر عن مبرّراتها- هي أبشع ما ابتدعه البشر وهي فلسفيّا افراز عنيف لتناقضات عميقة تراكمت الى أن طفحت على السطح بغاية الغاء الآخر من أجل البقاء، حيث الغاية تبرّر كلّ وسيلة، وفي نفس الوقت القاتلُ والمقتولْ مهزومان بدرجات متفاوتة: الظالم بانحرافه عن مواصفات "الإنسانية" والمظلوم بإلغائه حتّى يقتل الظّالم.

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات