المديونية في تونس بين “علاقة الحاكم بالدولة” و”علاقة الدولة بالاقتصاد”

لا يمثّلُ الدّين العام في حدّ ذاته اشكالا لأنه استجابةٌ طبيعية للعجز المالي ومنه الاقتصادي، ولكن عندما يتمحور استعماله حول أسبقية علاقة "الحاكم بالدولة" على علاقة "الدولة بالاقتصاد"، فانّه يصبح كما وصّفه الاستاذ عبد الحق الزموري "إشكاليًّا”. وهنا تكمن أهمّية قراءة التاريخ وفق "المحور المؤسّسي" جيمس رابنسن، 2012. ذلك انني،

(1) أعتقد أنّ السّياق التاريخي مهمّ في تحديد دواعي التداين الخارجي وتداعياته. فقد اتّسم القرن الثامن عشر - بداية اقتراض تونس من فرنسا- بتوسّع التفاوت، من حيث التقدّم والقوة التكنولوجية والاستعداد الى الثورة الصناعية الاولي، بين دول المحور (التي عَبَرَت الرأسماليةَ “المعولمةَ” منذ نشأتها، والتي فيها اسبقية علاقة الدولة بالاقتصاد، على علاقة الحاكم بالدولة) ودول الاطراف (التي مازالت آنذاك محلّيةً وذات التشكيلة الاقتصادية-الاجتماعية "ماقبل حداثية”، حيث سهل احتواؤها) .

(2) واعتقد كذلك أنّ محاولات الدّخول في منطق وآليات الاقتصاد العالمي كانت بدائيّةً ومحدودة النطاق بالرّغم من الاصلاحات الموثّقة( خيرالدين باشا)، باعتبار عدم الانتباه الى ضرورة التطوير المؤسّسي وتحييد الاشخاص الحاكمين على مؤسّسات الدولة وبالتالي متطلبات الاقتصاد.

والمفارقة هي أنّ تونس ماقبل-الحداثة، تداينت من فرنسا-الحداثة. الاولى استعملت الدّين لتعزيز علاقة الحاكم بالدولة (الاجل القصير وعدم ضمان توالد التكاثر)، والثانية أقرضتها لتعزيز علاقة الدولة بالاقتصاد واستجابةً لقوانين توسّع رأس المال على قاعدة جغرافية مُعوْلمة (الاجل الطويل وضمان توالد التكاثر).

(3) أخيرا، أُضِيفَتْ الى عدم التماثل هذا في الموضعيْن بين الدّائن والمُقترض عوامل أخرى مستحدثة وفق المرحلة التاريخية بعد الاستقلال، وهي تتنوّع من عدم الاستقرار (ذي التكلفة العالية) في الاصلاحات الهيكلية الخلاّقة للثروة والتي كانت لتمكّن في الاجل الطويل من الحدّ من اللّجوء الى الدّين الخارجي (1960-1990) الى تعزيز أجهزة الدولة بمقابل “عقد اجتماعي” يتوزّع من خلاله الرّيع لفائدة طبقة اجتماعية لا تتوفّر فيها بالضرورة مواصفات “الفاعل الاقتصادي الشومبيتري” (1990-2011)، الى حكومات ربطت اختباراتها الاقتصادية والمالية بالدورات الانتخابية على معنى “ويليام نوردهواز ”. بحيْث قلّ الاذعان الى شروط “استدامة الديْن” والى ضرورة استعماله لأهداف بعيدة الاجل كُلّما قصرت المدّة النيابية وشابها عدم الاستقرار، اضافةً الى "مقاومة التغيير"، وهذا موضوع يحتاج الي تفصيل.

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات