الوفاق السري بين السياسي الفاسد والقاضي المرتشي

أدانت محكمة في باريس أمس الاثنين 1مارس 2021 الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي بتهمة الفساد، لمحاولة رشوة قاض واستغلال النفوذ، كما أدانت معه محاميا وقاضيا في اعلي المراتب القضائية.

في الحكم

أدين ساركوزي، لمحاولته الحصول بشكل غير قانوني على معلومات من قاض بمحكمة التعقيب في عام 2014 حول دعوى قانونية تورط فيها.

وقالت المحكمة إن الوقائع « خطيرة بشكل خاص »، بالنظر إلى أنها ارتكبت من قبل رئيس سابق، استخدم منصبه لمساعدة قاض في الحصول على وظيفة مرموقة، بعد أن يسدي له خدمة تصب في مصلحته الشخصية.

وأدين إلى جانب ساركوزي كل من محاميه وصديقه القديم تييري هرتزوغ، والقاضي المتقاعد جيلبرت أزيبرت، وحُكم عليهما بنفس العقوبة، بتهمة عقدهم » وفاق فساد».

في الوقائع

في عام 2014 ، بدأ القضاة التحقيق في الحصول على أموال بشكل غير قانوني لتمويل الحملة الرئاسية عام 2007، وخلال التحقيق اكتشفوا صدفة أن ساركوزي وهرتزوغ كانا يتواصلان عبر هواتف محمولة سرية مسجلة باسم مستعار.

ومن خلال المحادثات التي تم التنصت عليها، اشتبه المدعون العامون في أن ساركوزي وهرتزوغ قد وعدا أزيبرت بوظيفة في منصب عال مقابل تسريب معلومات حول القضية.

وبحسب المحكمة، قال ساركرزي قي إحدى هذه المكالمات الهاتفية مع هرتزوغ عن القاضي المتورط أزيبرت « سأجعله يتقدم … سأساعده» ،

ورغم أن القاضي لم يحصل على الوظيفة، توصل المدعون إلى أن « الوعد المعلن بوضوح » يشكل في حد ذاته جريمة فساد بموجب القانون الفرنسي، حتى لو لم يتم الوفاء بالوعد.

ونفى ساركوزي بشدة وجود أي نية خبيثة، وقال للمحكمة إن حياته السياسية تدور حول « تقديم القليل من المساعدة للناس »، هذا كل ما في الأمر، مؤكداً أنه كان على بعد 100 مليار ميل من التفكير في أنه يفعل شيئا ليس لديه الحق في القيام به.

وشدد ساركوزي على أنه لم يحصل على معلومات سرية من أزيبرت، في حين قال المدعون أن ساركوزي علم بأنه يتم التنصت على الهواتف السرية، وهذا مامنعه من مساعدة أزبيرت في الحصول على الوظيفة.

هذه هي الوثائق كما روتها الصحافة الفرنسية وهذه بعض من لائحة الاتهام ماذا نستخلص منها ؟

Photo

كيف نحارب الفساد ؟

يتضح من الاتهام ومن حكم المحكمة وما اوردته الصحافة الفرنسية التي خصصت حيزا كبيرا من مساحتها ومن اهتمامها لمتابعة أطوار المحاكمة غير المسبوقة في الجمهورية الخامسة ( حوكم شيراك بتهمة الفساد ولكن لم يطبق عليه الحكم لاعتبارات ترتبط بصحة المتهم ) أن المحكمة الفرنسية أكدت في حكمها على أن الجرائم المرتكبة من الأطراف الثلاثة شكلت وفاق فساد un pacte de corruption.

ولا شك أن هذا الوفاق يمس مساسا فادحا بالثقة العامة في القضاء ويشيع الفكرة بأن الإجراءات لدى محكمة التعقيب لا يحكمها مبدأ المواجهة أمام قضاة مستقلين، بل إن تلك الإجراءات يمكن أن تكون موضوع اتفاقات وتسويات سرية الغرض منها خدمة مصالح شخصية …

هذا بشكل عام اما بشكل تفصيلي فقد ادانت المحكمة ساركوزي لأنه بصفته رئيس الجمهورية هو الضامن في استقلال القضاء ولأنه اخل اخلالا فادحا بذلك الواجب واستعمل موقعه في ارشاء قاض بوعده بمنصب رفيع في الدولة مقابل التدخل لفائدته في القضية التي تعهدت بها محكمة التعقيب .

كما أقرت المحكمة في حكمها إدانة المحامي من أجل الفساد النشيط corruption active وحكمت عليه بثلاث سنوات سجنا مع تأجيل التنفيذ لسنتين فهو بالنسبة إليها قد وضع نفسه خارج مجال ممارسة حق الدفاع وهكذا فان صلته الشخصية بالرئيس السابق قد أضعفت ملكة التمييز والإدراك لديه وذلك بعدم محافظته على المسافة المهنية المستوجبة بينه وبين موكله ايا كانت صفة هذا الموكل.

وقد ادانت المحكمة القاضي أيضا من اجل الفساد السلبي corruption passive وهتك السر المهني وسلطت عليه عقوبة السجن لمدة ثلاثة سنوات مع تأجيل التنفيذ بالنسبة الى سنتين اذ انه وبحسب المحكمة لم يخرق فقط الواجبات القضائية المهنية بإصرار وتعمد، بل خان ثقة زملائه فيما هم مؤتمنون عليه من أسرار المفاوضات والملفات فأشاع بعضا من هذه الاسرار .

يستخلص من ذلك انه في الدولة الديمقراطية فان الثقة المطلقة في المؤسسات ليست السبيل لتحقيق نزهاتها وعدم التباسها بأخطر ممارسات الفساد كما ان الاطمئنان الأعمى إلى خدمتها للصالح العام قد يقود إلى عدم التفطن الى فسادها.

إن الرقابة المؤسسية والمجتمعية المستمرة والردع العام هما اللذان يحققان تطبيق القضاء لمقتضيات القانون الجنائي على الكافة بكامل الصرامة مهما علت مواقعهم او سفلت بل وأساسا على من علت مواقعهم من الذين يصعب تتبعهم لتحصنهم بمواقع السلطة والنفوذ المالي. إن تطبيق أحكام المجلة الجزائية بأشد ما يمكن من الصرامة وبتسليط أقسى العقوبات على الجناة دون أي ظروف تخفيف هو الكفيل بالحد من العواقب الوخيمة التي يمثلها الفساد الذي يتحالف فيه السياسي الفاسد مع القاضي المجرم المرتشي على النماء الاقتصادي والاستقرار الاجتماعي والسياسي ..

أخيرا إن محاربة الفساد ليست من مهام رجال السياسية فهم عادة لا يستعملون شعار « محاربة الفساد » إلا لمحاربة أعدائهم وخصومهم فهؤلاء مدانون عندهم حتى تثبت براءتهم …أما أصدقاؤهم وحلفاؤهم فهم أبرياء حتى تثبت إدانتهم وهي إدانة قد لا تأتي أبدا لتدخلهم في سير المحاكمة وتأثيرهم على الأحكام الصادرة ضد الجناة خاصة في البلدان التي لا وجود فيها لسلطة قضائية مستقلة عن إرادة السلطة التنفيذية المهيمنة.

إن محاربة الفساد هي المهمة الموكولة أساسا للمهيئات العامة للوقاية من الفساد ومنظمات المجتمع المدني المتخصصة في الدفاع عن مبادئ الشفافية والنزاهة، ولكنها المهمة الموكولة أساسا للقضاء النزيه المستقل و الناجز…. ولكن ما الحيلة إذا كان القضاء الذي يحارب الفساد هو نفسه فاسد ؟ .من المؤسف أننا . كثيرا ما ندخل في بلد مثل بلدنا تونس اذا اردنا ان نحارب الفساد في حلقة مفرغة أو في ما يسميه المناطقة بالدور: هل نصلح القضاء لنحارب الفساد أم نحارب الفساد لنصلح القضاء ؟

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات