عملية جربة ، إجرامية أم إرهابية ؟ لماذا تغطي السلطة عين الشمس بغربال تشيش ؟

لا يزال الجدل قائما حول طبيعة العملية التي وقعت في جربة يوم الثلاثاء 09 ماي 2023 هل هي عملية إجرامية تقع تحت طائلة القانون العام والمجلة الجزائية آم هي عملية إرهابية تقع تحت طائلة قانون الإرهاب ؟ لمحاولة الإجابة عن هذا السؤال سنستعرض أولا شريط التصريحات الرسمية لنتبين طبيعة التصنيف القانوني للعملية الذي قامت به السلطة السياسية من رئاسة الجمهورية الى مجلس النواب إلى وزارة الداخلية.

بيان وزارة الداخلية ليلة الهجوم

بعد حوالي ساعتين من العملية وأمام تضارب الأنباء حولها أصدرت وزارة الداخلية بلاغا قدمت فيه تفاصيل حول الحادثة ووصفت الهجوم «بالاعتداء الغادر والجبان. » لا أكثر دون أي توصيف آخر. ومن المفهوم أن وزارة الداخلية لا يمكنها أن تغامر بتوصيف الحادثة بعد وقت قصير من حدوثها وقبل الانطلاق الفعلي للتحقيقات رغم ان جميع الدلائل كانت تشير منذ البداية إلى الطبيعة الإرهابية بالنظر الى عدد الضحايا والى الجهة التي استهدفتها : كنيس يهودي أبان مراسم دينية.

خطاب قيس سعيد في مجلس الامن القومي

وصف قيس سعيد ، مساء الأربعاء 10 ماي 2023 في مجلس الأمن القومي ، الاعتداءات التي شهدتها جزيرة جربة في محيط معبد الغريبة بـ «العملية الإجرامية الغادرة والجبانة »، و . وكرر سعيد أكثر من مرة مصطلحات« المجرم » والمجرمين » والعملية الإجرامية، ولم يشر إلى أية طبيعة إرهابية للاعتداء.

غير أن هذا التوصيف يتناقض بالكلية مع المعطيات التالية :

أولا : يتناقض مع طبيعة الهيكل الذي جرى فيه الاجتماع وهو مجلس الأمن القومي فالقضية إذن تهم الأمن القومي ولا نعتقد انه يمكن أن يلتئم مثل هذا الاجتماع وبهده السرعة إذا كان الأمر يعني جريمة حق عام وإلا لجاز أن يجتمع المجلس أكثر من مرة اثر العمليات المتلاحقة التي جرت أخيرا والتي ذهبت ضحيتها نساء كثيرات على أيدي أزواجهن.

ثانيا: يتناقض مع نوع التوصيف الضمني للعملية كما جاء في حديث رئيس الجمهورية وذلك من خلال :


• المقارنة بين هذه العملية وعملية جربة في 2002 وهي عملية صنفت كعملية إرهابية.

• المقارنة بين عملية جربة و « هذه العمليات الإجرامية التي عرفتها الكثير من الدول ولا تزال تعاني منها حتى الدول الكبرى في أوروبا والولايات المتحدة الأميركية وغيرها » وفق ما جاء حرفيا في حديث الرئيس . وبطبيعة الحال تقع كلمة عمليات «إجرامية » موقعا غريبا في هذه السياق فرغم أن قيس سعيد لا يحدد نوع هذه العمليات التي يشير إليها ولا تاريخها إلا انه من الواضح انه يشير إلى العمليات الإرهابية التي وقعت في الولايات المتحدة وأوربا. ولا احتمال لأي تفسير غير ذلك.

• مع أهداف العملية كما يحددها قيس سعيد فمن الغريب ان رئيس الجمهورية في وارد ثنائه على القوات الأمنية والعسكرية «التي تحلت باليقظة وحالت دون وصول المعتدي الى معبد الغريبة، » اعتبر «أن الهدف من هذه العملية الغادرة زرع الفتنة وضرب الموسم السياحي وضرب الدولة وزعزعة استقرارها ولكن لن يفلح المجرمون في بلوغ أهدافهم لأن الدولة قوية بمؤسساتها الأمنية والعسكرية وبشعبها وستظل تونس أرض التسامح وأرض التعايش السلمي ..تونس ستبقى دائما تونس الخضراء والعزيزة. » بحسب ما جاء في كلمة الرئيس.

نحن إذن بإزاء عملية غاياتها سياسية مما يجعلها إرهابية بامتياز إذ أن غاياتها تتعلق ب « زرع الفتنة » و «ضرب الموسم السياحي » بل أكثر من ذلك « ضرب الدولة » …ولا ندري بعد هذه الأوصاف التي تتعلق باستهداف الدولة ومصالحها كيف يمكن نزع الصفة الإرهابية عن هذه العملية ؟

تصريح رئيس مجلس النواب

بطبيعة الحال لا نتوقع أن يختلف بودربالة رئيس مجلس النواب مع توصيف رئيس الجمهورية فالرجل جعل من نفسه صدى للسلطة التنفيذية ومواقفها في غياب تام لأي فصل بين «الوظيفتين التنفيذية والتشريعية » ولو حتى شكلية.

فقد قال إبراهيم بودربالة، في ختام الجلسة الصباحية لمجلس النواب الخميس 11 ماي 2023، «إن العملية إجرامية كما وصفتها المؤسسة القضائية». وذكر أن « المؤسسة القضائية كيّفت العملية بأنها إجرامية، » ( ليس لنا أي بيان صادر عن السلطة القضائية ) وأضاف « ونحن كمؤسسة سيادية نتعامل مع باقي المؤسسات بصفة قانونية، وبالتالي هي عملية إجرامية، وهي جريمة اقترفت في حق الضحايا، وكذلك في حق الوطن، وهذه مسألة واضحة ».

كما استنكر بودربالة، تصريحات مسؤولين غربيين لمحت إلى تعهدهم بحماية اليهود في تونس، وقال: « نستنكر بعض التصريحات، فدولتنا مستقلة ولها سيادتها، ونحن لم نكوّن خلية أزمة عندما وقعت أحداث إرهابية في دول أخرى».

و الواقع أن بيان جمعية القضاة الصادر عقب العملية يكذب اقوال بودربالة جملة وتفصيلا عن دور السلطة القضائية في توصيف العملية إذ أن جمعية القضاة طالبت في بيان لها بأن « تنير النيابة العمومية الرأي العام حول طبيعة الحادثة بحسب ما يقتضيه واجب النطق الرسمي للمحاكم في مثل هذه القضايا، التي تهم الرأي العام الوطني والدولي، وذلك في نطاق الاستقلالية والشفافية».

كلام الجمعية جاء في بيان نشرته الخميس 11 ماي ، ووصفت فيه الاعتداءات بـ «الإرهابية »،وهو ما يفاقم الغموض حول نوعية هذه العملية وأسبابها الحقيقية ومن يقف وراءها.

ولا شك ان بيان الجمعية جاء في سياق غياب النيابة العمومية والسلطة القضائية عن المشهد وهو ما يكذب كما أسلفنا قول بودربالة.

النقطة الإعلامية لوزير الداخلية

وختاما لهذه الاركسترا الموضبة اعتبر كمال الفقية وزير الداخلية في نقطة اعلامية يوم 12 ماي العملية باعتبارها عملية إجرامية « ونوه بمجهودات القوات المسلحة الأمنية والعسكرية والحماية المدنية لما أبدوه من استبسال في مواجهة هذا الاعتداء الإجرامي الغادر، « . كما أفاد كمال الفقيه بأنه تم فتح تحقيق عدلي وفق ما يقتضيه القانون » دون أن يحدد طبيعة هذا القانون اهو القانون العام أم القانون الخاص المتعلق بالإرهاب ؟

ما هي الجهة التي باشرت التحقيقات ؟

وتحوم كثير من الشكوك حول هذا التحقيق والجهة التي باشرنه إذ لا يزال الغموض يلف هذه النقطة أيضا

فقد قال الصحفي ورئيس المركز التونسي للدراسات حول الإرهاب ، زياد دبار يوم الجمعة 12 ماي ، ان المركز يعتبر ما حدث في جزيرة جربة، عملية إرهابية بامتياز.

وأوضح دبار في حديث لإذاعة شمس اف ام ، أن حادثة جربة تُعتبر ارهابية، باعتبار ان منفذها استهدف مدنيين بصدد ممارسة شعائرهم الدينية، إضافة إلى تصفيته لزميله الأمني.

واضاف دبّار «ان الاختلاف المطروح اليوم حول تكييف العملية بين إجرامي أو إرهابي، مردّه الأساسي هو هوية المنفّذ، وهو عون بالحرس البحري، حسب ما أعلنه وزير الداخلية».

وكشف دبار أن القطب القضائي لمكافحة الإرهاب هو من تولى فتح التحقيق في عملية جربة، وليست النيابة العمومية. وذكر الإعلامي عبد السلام الزبيدي على صفحته »إن حادثة جربة إرهابية وليست إجرامية » وأكد : »تعهّد القطب القضائي لمكافحة الإرهاب بحادث جربة، وقد أذن بتعهيدها إلى الوحدة الوطنية للبحث في جرائم الإرهاب والجرائم الماسة بسلامة التراب الوطني ببوشوشة. » وجاء قرار تعهّد القطب بعد قرارٍ في التخلّي عن الملف صادر من المحكمة الابتدائية بمدنين.

كل ذلك في غياب تام لتصريح رسمي من للسلطة القضائية التي صمتت بالكلية فلا حس ولا خبر وكأنه لا وجود لها وكأنها غير معنية بالكلية بما يحدث.

ماذا يقول القانون ؟

- يُعدّ مرتكبا لجريمة إرهابية بحسب الفصل 13 من القانون ﻋﺪد. 26. ﻟﺴﻨﺔ. 2015. ﻣﺆرخ ﻓﻲ. 7. أوت. 2015. ﻳﺘﻌﻠﻖ. ﺑﻤﻜﺎﻓﺤﺔ الارهاب. وﻣﻨﻊ ﻏﺴﻞ اﻷﻣﻮال كل من يتعمد بأي وسيلة كانت تنفيذا لمشروع فردي أو جماعي ارتكاب فعل من الأفعال موضوع الفصل 14 والفصول من 28 إلى 36 من هذا القانون ويكون ذلك الفعل هادفا، بحكم طبيعته أو في سياقه، إلى بث الرعب بين السكان أو حمل دولة أو منظمة دولية على فعل أو ترك أمر من علائقهما.

وينص الفصل 14 المذكور على انه يعد مرتكبا لجريمة إرهابية كل من يرتكب فعلا من الأفعال الآتية من جملة أفعال أخرى لا تعنينا هنا :

– قتل شخص.

– إحداث جروح أو ضرب أو غير ذلك من أنواع العنف المقررة بالفصلين 218 و319 من المجلة الجزائية.

– إحداث جروح أو ضرب أو غير ذلك من أنواع العنف ولم تكن داخلة فيما هو مقرر بالصورة الثانية.

ويحدد الفصل 218 من المجلة الجزائية أنواع هذا العنف وهي تعمد إحداث جروح أو ضرب أو غير ذلك من أنواع العنف ولم تكن داخلة فيما هو مقرر بالفصل 319 من نفس المجلة ويحدد الفصل319 :

- انواع العنف التي لا تدخل ضمن العمل الإرهابي وهي المعركات أو الضرب أو العنف التي لا ينجـر منـها لصحة الغير أدنى تأثير معتبر أو دايم.

-التكفير أو الدعوة إليه أو التحريض على الكراهية أو التباغض بين الأجناس والأديان والمذاهب أو الدعوة إليهما.

ومن الواضح أن كل الشروط القانونية متوفرة في عملية جربة لاعتبارها عملية إرهابية.

– القتل.

– إحداث جروح انجر عنها تأثير معتبر ودائم لمجموعة من الجرحى البعض منهم نقل إلى المستشفى في حالة الخطر.

– التحريض على الكراهية أو التباغض بين الأجناس والأديان باعتبار أن العملية كانت تستهدف طائفة معينة توجه إليها المعتدي في حرم مقدس من حرماتها وأثناء أدائها لطقوس دينية وقتل اثنين من هذه الطائفة.

لماذا تغطي السلطة عين الشمس بالغربال ؟

هناك بلا شك كثير من الأسباب لسلوك السلطة المفهوم تماما لدينا ولكن غير المقبول لتعارضه مع الحقيقة ومنها أساسا :


• صفة المعتدي وهو رجل أمن مما يجعل العملية تزداد خطورة إذ أنها تشير إلى احتمال وجود عمليات اختراق للجهاز الأمني الامر الذي يحمل الدولة بعضا من مسؤولية ما وقع .

• الخوف من توصيف العملية بأنها إرهابية إذ أن هذه الكلمة تقود مباشرة إلى مسالة التباغض والكراهية وهو ما يفتح الباب أمام التوصيف الخارجي الذي لا يتردد في اعتبار العملية « معاداة للسامية » كما هو معهود في مثل هذه العمليات التي تستهدف اليهود في تونس أو في غيرها وهو ما وقع فعلا فقد لمحت تصريحات غربية إلى تعهد بعض الدول بحماية اليهود في تونس .

• وكان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون تعهّد بمكافحة « معاداة السامية »، قائلاً« دائما، وبلا كلل، سنكافح معاداة السامية »، معبّراً عن قلقه من العملية التي راح ضحيتها عدد من الأمنيين والزوار، من بينهم مواطن يحمل الجنسية الفرنسية. مع العلم ان النيابة العامة لمكافحة الإرهاب في باريس فتحت تحقيقا بشأن مقتل فرنسي-تونسي يبلغ من العمر 41.وقالت النيابة المختصة في بيان الخميس 11 ماي ، إن التحقيق سببه الجنسية الفرنسية التي يحملها أحد الضحايا. وأضافت أنها فتحت « تحقيقا بتهمة القتل بما يتصل بمجموعة إرهابية». وأوكلت التحقيقات إلى المديرية العامة للأمن الداخلي.

• الخوف من كلمة الإرهاب لان لها تأثيرا خاصا على نفسية السائح وعلى الموسم السياحي إذ لا تزال في الذاكرة عملية سوسة سنة 2015 وما كان لها من تأثير على المواسم السياحية لاحقا.

أخيرا لا غرابة في كل ما يحدث فحين تغيب السلطة القضائية بالكلية بعد ما طالها ما طالها من تخريب لمؤسساتها وإلغاء لوجودها وتخويف لأعضائها يصمت صوت النيابة العمومية بتونس التي تشرف على أهم الأقطاب ومنها قطب مكافحة الإرهاب وهي في الواقع الحالي الذي فرض عليها مقطوعة الرأس منذ تجريدها من كبار رؤسائها من وكيل للجمهورية ووكيل عام بإعفائهما مع عدم تعويضهما لتعطل الحركة القضائية منذ حوالي العام بالإضافة إلى إعفاء أهم قضاة النيابة و التحقيق في القطب القضائي » المتضعضع » وهو أمر نادر الحدوث في أي بلد من بلدان العالم .

كما تصمت كل الهياكل القضائية الممثلة عدا نسبيا جمعية القضاة . حينها لا يمكن إلا إن تجثم السلطة السياسية بكل مكونها على المشهد الاتصالي فلا يسمع صوت غير صوتها ولا قراءه غير قراءتها حتى ولو جاءت من نوع تغطية عين الشمس بغربال تشيش الغربال الكبير الذي لا يخفي شيئا كثيرا او قليلا من حقيقة تريد السلطة التغطية عليها …ولكن من بإمكانه ان يغطي عين الشمس في واضحة النهار ؟.

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات