تنعقد بداية من اليوم 21 ماي 2025 الهيئة للاتحاد العام التونسي للشغل وسط شرخ يهدد كيان المنظمة من الداخل. تنعقد وسط انقسام المكتب التنفيذي الى حزبين متصارعين يتبدلان التهم في مشهد اخرج الى العموم كل آفات التكالب على السلطة وفي ظل تمرد الاتحاد الجهوي للشغل بصفاقس الذي طالب بإحالة نورالدين الطبوبي على لجنة النظام وتجميد نشاطه وبعد واقعة المجلس الوطني الذي عجز عن إصدار لائحته في سابقة تعكس حجم الأزمة التي تتخبط فيها بالمنظمة .لقد تركز الخلاف في المجلس الوطني الأخير من جملة القضايا التي طفت على السطح حول الدعوة الى مؤتمر استثنائي في اجل قريب من اجل تجاوز الخلاف الحالي داخل المكتب التنفيذي نفسه و مخلفات الانقلاب على الفصل 20 من قانون المنظمة . كان أعضاء المكتب التنفيذي برمته سواء من تحملوا المسؤولية عقب المؤتمر 25 أو قبله يعتقدون انهم انتهوا من امر الفصل العشرين بتحويره في مؤتمر استثنائي غير انتخابي لكنه و كالميت الذي نفخت فيه الروح عاد ليقض مضاجع من خططوا للانقلاب عليه رغم كل التحذيرات .كان صوت شهوة السلطة اعلى واقوى من صوت العقل والحكمة.
فاتورة الانقلاب .
لقد نبه كثير من النقابيين وفي الإبان الى خطورة المساس بالفصل العشرين ولكن الشهوة هزمت العقل .ذهب الاتحاد الى مؤتمر استثنائي غريب على تقاليد الاتحاد كما انه مخالف لقانونه وبناء على هذا التحوير ترشح الطبوبي مرة أخرى الى المكتب التنفيذي بعد قضائه دورتين في المكتب كأمين عام مساعد مكلف بالنظام الداخلي والثانية كأمين عام وبلا مفاجآت عاد الطبوبي الى الأمانة العامة في المؤتمر 25 كما ترشح إلى عضوية المكتب من قضوا دورتين من أعضاء المكتب بخلاف ما كان يقرره الفصل العشرون من ان عضوية المكتب التنفيذي تنحصر في عهدتين لا أكثر وعادوا كلهم الى المكتب.
غياب الديمقراطية
كل من يعرف الاتحاد يعرف كيف تطبخ انتخابات المكتب التنفيذي الوطني في المؤتمرات الوطنية ( مثلت قطاع التعليم العالي في مؤتمرين هما مؤتمر المنستير في 2006 ومؤتمر طبرقة في 2011) . تجري المفاوضات حثيثة أولا من أجل وضع قائمة رسمية توضع آخر لمساتها في غرفة المترشح الرسمي لمنصب الأمين العام وهو في اغلب الأحيان الأمين العام المتخلي في النزل الذي يستضيف المؤتمر . تظل الوفود رائحة غادية ليل نهار على الغرفة من اجل أن تخطب ود الأمين العام ورضاه في عملية لا صلة لها بالديمقراطية وإنما هي تكريس لكل آفات الزبونية وشراء الضمائر وإفساد الذمم . وتوزع القائمة الرسمية طبعا بعد أن توضع آخر لمساتها على كل المؤتمرين الذين لم يتعودوا في أغلبيتهم المطلقة عصيان أوامر القيادة الفاتقة الناطقة التي توزع الوعود على الإطارات المتلهفة على المسؤولية ومنهم إلى القواعد الحالمة بتحسين ظروف حياتها والتي ليس لها غير الاتحاد ملاذا ومنقذا وسط أزمة اقتصادية خانقة ومزمنة تهدد الأجراء والعمال قبل غيرهم …
هكذا تنشر المنظمة بين منخرطيها افسد السلوكات وأكثرها تخلفا وهي السلوكات التي تنعكس أثارها على جملة الحياة السياسية في البلاد برمتها نظرا لوزن الاتحاد وعدد منخرطيه الذي يقترب من 700 الف منخرط ..لن يكون هناك أي تزييف للنتائج او أي تلاعب بها .فلقد وقع التزييف بشكل » ديمقراطي » بواسطة الهياكل الخاضعة بالكلية للقيادة ورغباتها من المجلس الوطني الذي دعا بنسبة تشبه انتخابات بن على الى المؤتمر الاستثنائي غير الانتحابي الى المؤتمر الذي حور الفصل20 وسط رقصات أعضاء المكتب التنفيذي الحالي الذي »ناب » عليهم النقابيون المخلصون بعهدة أخرى.
التناقض الرئيسي
التناقض الرئيسي اليوم داخل الاتحاد ليس بين هذا الشق المتشبث بالسلطة وبين شق اخر يناصبه العداء من اجل إزاحته والحلول مكانه بل يجب أن يكون بين أنصار النزعة البيروقراطية الجاثمة على المنظمة النقابية منذ عقود وبين أنصار النهج الديمقراطي الذي يطمح منذ السبعينات من القرن الماضي الى دمقرطة المنظمة والذين تعرض الكثير منهم الى التجريد خاصة بعد مؤتمر جربة في 2002 الذي سن الفصل 10 فصل تسقيف المسؤولية صلب المكتب التنفيذي الوطني قبل أن يصير الفصل 20 . لقد ولد هذا التيار منذ دخلت الى الاتحاد العناصر اليسارية الخارجة توا من الجامعة والملتحقة خاصة بالتعليم الثانوي والمسلحة بثقافة سياسية متينة و الطامحة إلى تحقيق تحول نوعي داخل المنظمة لفائدة العمال والشغالين وان كان الكثير منهم قد انقبلوا بعد ذلك على مبادئهم وتحولوا الى جزء من الماكينة اللعينة .
لقد استغلت البيروقراطية شعار مصلحة الاتحاد والإبقاء على خبراته( كلام حق أريد به باطل ) لمزيد سيطرتها على المنظمة والذهاب في منطق الانقلاب .. وإن القول بأن تسقيف العضوية في المكتب التنفيذي للاتحاد بدورتين يؤدي إلى خسارة المنظمة لخبراتها هو ببساطة إهانة لكل النقابيين المناضلين . إنه من السهل في هذه البلاد أن تكون وزيرا ( خاصة عندما أصبحت الوزارة أقل من لا شيء ) ولكن من الصعب جدا أن تكون عضوا في المكتب التنفيذي للاتحاد فذلك يحتاج بلا شك إلى عشرات السنوات من الخبرة النقابية ومن الانتماء إلى هياكل المنظمة بدءا بالنقابة الأساسية والفرع الجهوي والجامعة العامة أو النقابة العامة أو الاتحاد الجهوي ..فعضوية المكتب التنفيذي تحتاج إلى عضوية الهياكل الوسطى جامعة عامة ، نقابة عامة ، اتحاد جهوي لمدة دورتين على الأقل ( 8 سنوات في الأدنى إذ تتأخر أحيانا مؤتمرات هذه الهياكل حين تستفيد من الإمهال بسنة لعقد مؤتمراتها ) أليس هؤلاء هم أيضا خبرات الاتحاد ؟ ومن أين جاء أعضاء المكتب التنفيذي الحاليون ؟ ألم يتدربوا كلهم على المسؤولية انطلاقا من الانتماء إلى كل هذه الهياكل؟ …إن رفض التسقيف بحجة حفاظ المنظمة على مسؤوليها الأكفاء هو تحقير لجهد النقابيين وشخصنة بغيضة وتبرير لشهوة السلطة لا أكثر ولا اقل،
الفصل العشرون عنوان الصراع مرة أخرى
من البديهي أن يتركز الجدال اليوم مثل ما كان الأمر منذ مؤتمر جربة حول الفصل العاشر ( العاشر قبل المؤتمر 23 و العشرون بعده ) .وهذا لا يعني أنه يختزل كافة جوانب الصراع بين النهجين المتضاربين داخل الاتحاد.
لكن كما هو الحال في كل الصراعات فلا بدّ من أن تطفو على السطح مسألة دون غيرها من المسائل وتعلو على البقية وتتحوّل إلى عنوان للصراع بكامله . وإن ما جعل الفصل العشرين يكتسي كل هذه الأهمية ويصبح في « قلب الصراع » الذي وصل الى المواجهة القضائية هو انه يمسّ عصبا رئيسيا من أعصاب البيروقراطية النقابية، فإذا ما استؤصل ، ماتت معه أعصابٌ أخرى وتوقفت عن الحياة. لذلك ليس من الغريب أن يتخذ الفصل العشرون كل هذا البعد وتتكثف حوله الصراعات بين الخطين النقابيين المتناقضين في الاتحاد.
إن الذين ذهبوا الى تنقيح الفصل 20 خدمة لأغراضهم لا بحثا عن مصلحة الاتحاد هم عامة أنصار البيروقراطية المتسلطة والذين يتمسكون بالعودة اليه قبل تنقيحه هم عامة أنصار الديمقراطية النقابية الذين يسعون الى تحقيق الديمقراطية داخل الاتحاد كوسيلة لتحقيق استقلاليته عبر إرجاع سلطة القرار فيه إلى أصحابها الشرعيين أي القواعد النقابية والعمالية وتحويله إلى إطار حقيقي للدفاع عن مصالح العمال والأجراء، لأن الاتحاد متى أصبح فعلا ديمقراطيا حرا، ومستقلا، ذاد عن تلك المصالح وقام بدور تقدمي داخل المجتمع ووقف إلى جانب الفئات الشعبية ومطالبها المشروعة وإلى جانب الحريات والديمقراطية.
المطلوب اليوم
إن المطلوب اليوم هو أن يقتنع جميع أعضاء الهيئة الإدارية بضرورة السير وبسرعة نحو المؤتمر الاستثنائي الذي أصبح خيارا لا مناص منه نظرا للشلل الذي عرفته هياكل الاتحاد المخولة لاتخاذ القرار من مكتب تنفيذي و هيئة إدارية قبل انعقادها اليوم بعد غياب دام اشهرا خلافا لما يقرره قانون الاتحاد . كما نرى انه لا إمكانية أن يعود أعضاء المكتب الحالي الى المسؤولية إثر أي مؤتمر قادم نظرا لتورطهم جميعا أما في الانقلاب على الفصل 20 أو الاستفادة منه وهي خطيئة لا يمكن غفرانها ارتكبت في حق الاتحاد .ولذلك فإننا نقترح أن يقع التفكير حول سيناريو يمثل حلا مقبولا وهو أن يضطلع المكتب الحالي بكل أعضائه بالإعداد للمؤتمر الاستثنائي وفقا لما ينص عليه الفصل التاسع ( 09) من القانون الأساسي إذ يصدر الطلب أولا عن ثلثي أعضاء المجلس الوطني على قاعدة التمثيل النسبي وتتثبت الهيئة الوطنية للنظام الداخلي في توفر النصاب القانوني للممضين في ظرف شهر من تاريخ تسلمها للملف ثمّ ترفع تقريرا في الغرض إلى المكتب التنفيذي الوطني الذي يدعو وجوبا الهيئة الإدارية للانعقاد في اجل لا يتجاوز الشهر .وفي صورة إقرارها الطلب يدعو المكتب التنفيذي وجوبا المجلس الوطني إلى الانعقاد قصد التثبت في صحة الطلب وقانونيته وتحديد موعد المؤتمر الاستثنائي في اجل لا يتجاوز شهرين من تاريخ انعقاده. مع التزام كل أعضاء المكتب التنفيذي الحالي بعدم الترشح مرة أخرى الى أية مسؤولية ضمن المكتب أو غيره من هياكل التسيير.
نعلم جيدا أن هذا المقترح ليس سهلا ولكنه ممكن اذا كانت رغبة الجميع هو إنقاذ الاتحاد وليس اللهث مرة أخرى وراء المناصب وتغليب المصلحة الشخصية على مصلحة المنظمة في هذه الأوقات العصيبة.
.وستكون من مهام المؤتمر الاستثنائي القادم انتخاب قيادة جديدة مع الإبقاء على المؤتمر العادي في وقته أي 2027 ( عدد هذا المؤتمر ضمن مؤتمرات الاتحاد مسالة تناقش لاحقا ) مع تفويض المكتب التنفيذي المنتخب الجديد لبعث لجان تفكير لتصور مختلف لهيكلة الاتحاد كأن يتحول الى كنفيدرالية تضم النقابات والقطاعات المهيكلة مع إعادة النظر في الاتحادات الجهوية التي تحولت الى محاضن لتفريخ الانتهازيين والسماسرة ( ما يقوله الطبوبي في التسريب الأخير عن نقابيي الاتحاد الجهوي بصفاقس يحتاج الى التفكير بقطع النظر عن أغراض الطبوبي من وراء اتهامه لهم بانهم «مافيا» ) .فالمسالة ليست هينة بل هي تاريخية ومصيرية ولذلك تحتاج الى وقت ويمكن الاستفادة فيها من التجارب المقارنة . بالفعل لا يمكن إنجاز هذه المهمة بشكل عاجل بل هي تحتاج الى استشارات على المستويين الأفقي والعمودي تعرض مخرجاتها على المجلس الوطني القادم للمصادقة عليها أو إرجاء ذلك الى المؤتمر العام العادي القادم
دون ذلك فان أي مؤتمر استثنائي سيكون من قبيل عودة الماضي و «تجمير البايت » و استعادة لطاحونة الشيء المعتاد .