بعد تصريحات الطبوبي والعجبوني ، من ينقذ بودن مما هي فيه ؟

لم يكن من العسير على النّظام البائد أن يوظّف في خطابه السّياسيّ المستند إلى لغة المكاسب والإنجازات قضايا عدّة في الدّعاية للطّاغية والتّعمية على المآزق الخطيرة الّتي وقعت فيها البلاد طيلة ثلاثة وعشرين عاما، ومن هذه القضايا مسائل مثل الدّيمقراطيّة وحرّيّة التّعبير والتّنمية والتّعليم وتقدّم المرأة، وقد كانت قضيّة المرأة وحقوق الإنسان من أنجع الوسائل الّتي وظّفت في العهد السّابق لطمس حقيقة الاستبداد السّياسيّ وسوء الاختيارات الاقتصاديّة.

ولم يكن رفع الشّعارات المنادية بضرورة تحرّر المرأة ومساواتها بالرّجل تعبيرا عن وعي حقيقيّ بقيم الحرّيّة والمساواة والدّيمقراطيّة وإنّما كان في جوهره مندرجا ضمن الصّراع الحامي ضدّ الإسلاميّين الّذين عمل ابن علي على إرهابهم وتبكيت أصواتهم وجعلهم من الفئات المهمّشة في الوقت الّذي كان يلحّ فيه في خطاباته المنمّقة على قيم الدّيمقراطيّة والتّسامح. » لقد قدم بن علي نفسه دائما على أنه « حامي حمى حقوق المرأة » فوظف هذه المسألة في الداخل والخارج للظهور بمظهر « النظام العصري التحديثي ».

السبسي واستغلال قضية المرأة

بعد الثورة لم يتغير الأمر كثيرا إذ استنجد السياسيون في تونس سواء في المعارضة أم في الحكم، خاصة الذين يدعون الحداثة، بحقوق المرأة لتحقيق مكاسب سياسية وإضعاف خصومهم السياسيين.

في هذا السياق يدخل بلا شك إعلان الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي ، في خطاب له، نيتهه اقتراح مشروع قانون على مجلس نواب الشعب للمساواة في الإرث وأكد السبسي أنه حسم أمره لتقديم هذا المشروع وقد نفسه باعتباره الضامن لتطبيق المبادئ الدستورية ومنها المساواة بين الجنسين في ظل دولة مدنية لا علاقة لتشريعها بالحكم الديني .

وبقطع النظر عن وجاهة المطالبة بالمساواة في الإرث وعدالة هذا المطلب فان القصد الغول من مبادرة السبسي كانت مغازلة جزء مهم من نساء تونس، خاصة انه كان يعلم أن للنساء الفضل الكبير في وصوله إلى قصر قرطاج سنة 2014، حيث كانت أصوات النساء في تونس حاسمة في فوز السبسي في انتخابات الرئاسة.

دون تحامل على الرجل كان سلوكه هذا مجرد متاجرة بقضية المرأة فهو لا تهمه المرأة قدر ما يهمه المنصب ومواصلة حكم تونس، اذ لا يعرف للرجل أي مساهمة في الحقل النسوي، بل أن البعض يتهمه من خلال مواقفه العلنية وتعبيراته في المحافل العامة بأنه يهين المرأة فهل ننسى جملته الشهيرة » ما هي الا مرا » في برنامج تلفزي في سنة 2014. تكفينا هذه الجملة عن قول المزيد.

قيس سعيد لا يتخلف عن الركب

كان الرئيس سعيد يريد بتعيينه امرأة على رأس الحكومة لأول مرة في تاريخ تونس أن يدخل هو التاريخ قبل أن تدخل هي إليه. كان بلا شك يريد أن يسجل سابقة تاريخية في تاريخ تونس بتعيينه أول امرأة في منصب رئيسة الحكومة، وهو ما فعله الرئيس الفرنسي فرنسوا ميتران أ بتعيينه إديت كريسون كأول امرأة تتولى منصب رئيسة الحكومة في الجمهورية الخامسة، ،

وبطبيعة الحال أشاد الجميع بهذا التعيين : الجمعيات النسوية وغيرها من المنظمات والجمعيات و الأحزاب رغم أنها كانت تعلم كلها مسبقا أن هذا التعيين سيجعل من بودن وحكومتها عديمتي الشرعية ورغم أنهم كانوا يعلمون في ظل شخصية كشخصية قيس سعيد وفي ظل الأمر 117 الذي استحوذ فيه الرئيس على كل الصلاحيات انها.

لن تكون غير مجرد سكرتيرة لا أكثر

كانوا يعملون ذلك، ولكنهم انخرطوا في لعبة النفاق العام والكذب وكان في ظنهم أنهم بذلك يخدمون المرأة وقضيتها . رحب الاتحاد التونسي للشغل بالتعيين هو أيضا .. غير أن الحقيقة لا تغيبها المواقف المصطنعة والجوقة الجماعية الكاذبة فقد كشفت الممارسة السياسية في أخر الأمر عن الواقع الذي كان الجميع يعرفه ويغمض عيونه دون.

. اكتشف الطبوبي – يا للمفاجأة – أن بودن » امرأة مسكينة » وقال كلما تحدثنا معها أرجعتنا الى الأمر 117 . طبعا اعتذر بعد ذلك عما بدر منه لان الحقيقة عندنا لا تعجب البعض من حلفاء الاتحاد ممن يرون في تصريح الطبوبي الذي ربما صدر عنه في غلبة الحماسة عليه كالعادة خدمة لأعدائهم الأيدلوجيين وللمحافظة على نفس كذبة المرأة التونسية الرائدة التي تروج لها كل الحكومات حقا وباطلا . فوصفها بعد الاعتذار لها بالمثابرة و لكن متى كانت المثابرة نقيضا للعبودية ؟

شجع كلام الطبوبي آخرين على قول الحقيقة فخرج علينا العجبوني القيادي في حزب التيار هو أيضا ليصف رئيسة الحكومة نجلاء بودن بالماكياج و المرأة »اللي نزينو بيها » على عكس تصريحات رئيس الجمهورية وقوله إن إمرة على رأس الحكومة ليس فقط للزينة .وأقر العجبوني أن حكومة بودن حكومة تصريف أعمال يقودها رئيس الجمهورية وهو في الوقت ذاته رئيسا للحكومة، لافتا النظر إلى ان بودن لم تدل بأي تصريحات لحد الآن بعد عدد من مجالس الوزراء التي يتراسها رئيس الدولة.

لا ندري هل نعتبر ذلك عنفا ضد المرأة ؟.كيف نعتبر سكوت الجمعيات النسوية عن هذه الأوصاف الرجالية التي استلت في الواقع كالعادة من قاموس رجالي مغرق في تحقير المرأة : المسكينة ، الزوالية ، العروسة ، الديكور، الزينة ، اللعبة؟

لماذا لا تتكلم هذه الجمعيات اليوم وهي التي متعتنا بأنشودة الانجاز التاريخي والسبق المعجزة والريادة الرائدة والزعامة الحداثية واللطخة الجندرية بعد هجوم الرجال »غير المتأدبين « حتى لو اعتذروا بعد ذلك على امرأة هي على كل حال رمز للدولة التونسية في الداخل والخارج . تهجما بألفاظ سوقية تحط من قدر المرأة وتهوي بمكانتها إلى مدارج المذلة و السوء وتلوث سمعتها؟

أم هل اقتنعت الجمعيات النسوية هي أيضا بان بودن هي فعلا ديكور لا أكثر؟

في هذا الحالة لماذا لا تتكلم اليوم لإنقاذ صورة المرأة التونسية التي تتعرض إلى أبشع صور الاحتقار لمطالبة قيس سعيد بمنح رئيسة الحكومة صلاحيات فعلية حتى لا تتحول بودن الى موضوع تندر الجميع؟ وفي أتعس الحالات لماذا لا تطالبها بالاستقالة إنقاذا لآخر ما تبقى من سمعتها ؟

مسكينة المرأة التونسية حقا إنهم لا ينفكون عن استعمالها سلعة في تجارتهم السياسية البائرة حين يضعونها في المواضع التي لا تستحقها ولا هي جديرة بها خدمة لصورة الرجل والنظام أولا وأخيرا لا خدمة للمرأة وقضيتها

فمن ينقذ يا ترى بودن مما هي فيه ؟.

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات