رسالة لمن يبحثون في فكر حماس عن سبب لما يحدث في غزة

حين ما تكون المعركة غير متكافئة،حينما تحارب الآلة المدججة بالنار والموت مجموعات قليلة من المقاتلين وشعبا أعزل تتحول المعركة إلى جريمة منظمة وتنتج كل تلك المشاهد التي رأيناها. يقال لنا أحيانا إن تلفازاتنا مولعة إلى حد المرض ببشاعة الجثث، تعرضها علينا في صور تدور على نفسها منذ 7 اكتوبر وتكرر بشاعتها. لا شك أن الصور من بعض الجوانب تحول المشهد البغيض إلى مشهد مألوف فنتعود دون أن نشعر على الدماء النازفة والصراخ المتعالي والأشلاء المتقطعة.

غير أن ما لا يعلمه البعض أو لعلهم يعلمونه ويتغاضون عنه هو ما يمكن أن تنتجه هذه الصور ما بعديا في عقول شبابنا الموجوع وما يمكن أن يسفر عنه الشعور بالظلم والعجز أمام قويتين متناقضتين في الظاهر متحالفتين بشكل أو بشكل أخر: قوة الآلة الجهنمية الإسرائيلية وقوة الآلة الموجهة ضد الشعوب والتي تمثلها الأنظمة العربية الفاسدة.

ففي حيز زمني لا يهم كم يمكن له أن يستمر يختلط في ذهن المتفرج العربي، الخارج المجرم والداخل الجبان وقد تجسدا في صورة طفل يحمل في محفظته أشلاء أخيه او طفل اخر يقبل جثمان شقيقه باكيا بعد غارة إسرائلية على غزة سقطت على إثرها المنازل على رؤوس ساكينها.

القتل في الحرب له في كثير من الاحيان تبعات دينية انه مرتبط بالتضحية الإنسانية التي تطلب جزاءا الاهيا وليس له في كثير من الاحيان فائدة عاجلة أو فورية. فلا أحد يستطيع مهما أوتي من العقلانية أن يمنع القتيل من أن يتحول إلى نموذج للمحاكاة. هنا يجد العنف كل مبرراته الممكنة حين يتحول الى شهادة تستدعى شهادة أخرى بما يحمله لفظ الشهادة من حمولات دينية. هكذا لا يدخل العنف التاريخ باعتباره مجرد حادث بل باعتباره القاعدة التي يقوم عليها العالم. انه يصبح قطعة من آلة يقوم عليها الكون ويكتسب بالتالي قيمة دينية فنحتفل بنتائجه وآثاره. كيف يمكن أمام هذه الصور التي نراها أن نتجنب أن يصبح القتل في عيون شبابنا وعقولهم شيئا غير بربري؟ كيف يمكن أن نمنعه من أن يصبح معينا للحضارة وأجمل وردة نهديها لبعضنا البعض مثلما يفعل الفلسطينيون أحيانا بعد كل عملية استشهادية في عمق الأرض المحتلة

. كل شيء هنا يولده العنف ويولد هو نفسه عنفا أكبر، أما السلم التي يتبجح به البعض وهم لا يملكون مفاتيحه فيقتل كل شيء. هل نحن إلى هذا الحد في حاجة إلى الحرب والقتل لنخرج من وضع الهزيمة والضعف الذي نحن فيه؟

تلك هي النتيجة التي تعلمنا إياها صور غزة. ولا يبحثنّ أحد بعد هذا عن أسباب التطرف الديني أو عن جذور العمليات الاستشهادية. إن منظر كل طفل يفتح عينيه أمامنا لا تنظران إلى شيء هو"مشروع استشهادي". وكل ظلم، مؤذن بخراب قادم لا محالة.

إسرائيل دولة قامت على اساس وعد إلاهي ولقد تأبد هذا الظلم وتلون بكل أشكال الجريمة. ولذلك فمن العبث أن نبحث في فكر حماس عن سبب لهذه الحرب الأخيرة. فهل نسينا دير ياسين وصبرة وشتيلا وجنين وقانا وغير ذلك من المجازر والجرائم؟ إن من يحذروننا اليوم من مخاطر الفكر الديني لا يفعلون غير الخضوع لتحيزاتهم وأهوائهم ويفتقرون إلى اللياقة مع أنفسهم. إنهم يتحدثون كثيرا دون أن يذكروا في الوقت نفسه انه كان ثمة غزو صهيوني واستعمار لفلسطين على الرغم من السكان الأصليين وليس لديهم شيء يقولونه عن الحبس العنصري للعرب في الأرض المحتلة أو عن عشرات المستعمرات غير القانونية في الضفة. لا شيء يقولونه عن تجويع شعب بكامله حتى اضطر الآدمي أن يأكل من علف الدجاج بل لا شيء يقولونه حول الجذور الأصولية لدولة إسرائيل.

لماذا لا يذكروننا بأن إسرائيل قامت على فكرة أن الأرض هي هبة الهية لشعب مختار وعلى هذا الأساس فهي هدية إلهية وجزء أساسي من عهد في شكل مقايضة قامت بين رب غيور يقاوم من اجل استبعاد كل الالهة الأخرى في منطقة تعج بالآلهة (" لاَ تَسْجُدْ لَهُنَّ وَلاَ تَعْبُدْهُنَّ، لأَنِّي أَنَا الرَّبَّ إِلهَكَ إِله غَيُورٌ (" (1) وشعب يجازى على اختيار يهوه إلها له دون غيره بان يوهب أرضا هي في الأصل لغيره .؟ وبالتالي فان فقدان الأرض الفلسطينية لمصلحة الهيمنة الإسرائيلية يصبح شيئا مبررا في سياق كون الأرض عطية ربانية لإسرائيل.

أما السكان الأصليون بثقافتهم اللاأخلاقية والفاسدة فهم لا يملكون أي حق على الأرض إلا بالشروط التي تفرضها الدولة المحتلة وفي الحدود التي تسطرها بعد أن تقتطع من فلسطين التاريخية أغلبها وبعد أن تستثني القدس من الحل وبعد أن تمنع الفلسطيني من العودة إلى أرضه في حدود ما قبل ميلاد الدولة العبرية، أما من لم يغادر هذه الحدود فقد تنزع عنه قريبا الجنسية الإسرائيلية ويرسل به إلى الغيتو الفلسطيني الذي قد يطلق. عليه لاحقا اسم الدولة الفلسطينية هذا إذا ما قامت وهو حلم يتلاشى يوما بعد يوم.

إن الأصولية الإسلامية ليست استثناء في المنطقة ولا هي دمل نحذر من تقيّحه بل نتاج لظلم مركب اسرئيلي وعربي. ولذلك فانه من الأفضل لنا اليوم أن نعالج مسالة الأصولية في كليتها المعقدة المركبة وان نرى منها شيئا غير عداء لهذا أو ذاك من الحركات التي يحمّلها الغرب وكثير من العرب مثلما فعل الطاهر بن جلون أخيرا المسؤولية في ما يحدث من عنف هكذ ا في فكر الغرب وبعض العرب يختفي المجرم في ثوب الضحية ويتحول الضحية إلى وحش يهددنا ونخجل من أفعاله على حد ما شعر به الطاهر بن جلون.


هامش

(1) سفر الخروج 20: 5

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات