"تطهير الإدارة " من بورقيبة إلى سعيّد : الإدارة في قبضة السلطة

ليس موضوع «تطهير الإدارة » بجديد علينا اذ انه مرتبط بمحاولة كل نظام سياسي جديد منذ الاستقلال الهيمنة على الإدارة العمومية بدعوى إصلاحها او تطهيرها ( بحسب المصطلح المستعمل من قبل السلطة ) وهما شعاران سياسيان وليسا تقنيين لارتباطهما بأغراض سياسية حتى لو اريد اخفاء هذه الاغراض وراء شعار مقاومة الفساد [1].

لقد طرح موضوع إصلاح الإدارة في بداية الاستقلال بشكل مقنن ومارسه بن علي بعد 7 نوفمبر 1987 بشكل بوليسي سري كما وقع الخوض فيه بعد الثورة أيضا وها هو يعود الآن بعد الانقلاب الذي عرفته البلاد على دستور 2014 وبعد أحاديث قيس سعيد المتكررة في المدة الأخيرة عن ضرورة تطهير الإدارة من المتسللين إليها.

وسنستعرض في هذه الورقة اهم المحطات التي عرفها موضوع إصلاح الإدارة او «تطهيرها » منذ 1956 مدعومة بنصوص قانونية صادرة في بداية الاستقلال وهي كنز ثمين من المعلومات لمن يبتغي البحث الذي يتجاوز طبيعة هذا العمل المحدود .

«تطهير الإدارة في بداية الاستقلال »

طرح موضوع «تطهير الإدارة العمومية » منذ بداية الاستقلال فقد نشرت بالرائد الرسمي التونسي عدد 62 المؤرّخ في 03 أوت 1956 أربعة أوامر عليّة تحمل نفس التاريخ ختمها الوزير الأكبر رئيس الحكومة الحبيب بورقيبة تتعلّق بالإدارة العمومية وموضوع أوّل هذه الأوامر هو التنظيم الوقتي للسلط العمومية بينما موضع الاوامر الاخرى هو تطهير الإدارة العمومية وهذه الاوامر هي:

الأمر الأول وهو الأمر العلي المنقّح للأمر العلي المؤرّخ في 3 صفر 1375/ 21 سبتمبر 1955 الصادر بتنظيم السلط العمومية تنظيما مؤقّتا.

وجاء هذا الامر موضوع التنقيح بعد ابرام اتفاقيات الاستقلال الداخلي بين المملكة التونسية و الجمهورية الفرنسية يوم 3 جوان 1955 والتي من بين بنودها إلغاء اتفاقية المرسى و ما ترتّب عنها من إخضاع أوامر الباي الى مصادقة المقيم العام الفرنسي بتونس عليها والى اكسائها الصيغة التنفيذية و كان إصداره ضروريا نظرا الى أن تنظيم السلط العمومية السائد قبل ابرام تلك الاتفاقيات لم يعد يتلاءم مع الاستقلال الداخلي و صدر الأمر المنقّح له بعد ابرام اتفاقيات الاستقلال التام يوم 20 مارس 1956 وهو ما يعزّز اخضاع الادارة العمومية الى السلطة التونسية بعد ان كانت خاضعة لسلطة الاحتلال ممثّلة في المقيم العام الفرنسي بتونس . و في اطار عودة الادارة العمومية الى حضنها حرصت السلطة التونسية حسب الغاية المعلنة على تطهير الادارة في مرفق الوظيفة العمومية بتنقيتها من العناصر العاملة فيها و المنسوب اليهم الفساد و أصدرت الأوامر الثاني والثالث والرابع ذات الصلة.

الامر الثاني وهو المتمّم للأمر العلي المؤرّخ في 14 ذي القعدة 1354/ 7 فيفري 1936 الصادر بالقانون الاساسي لموظّفي الدولة و يضمّ فصلين ينصّ أوّلهما على أنّه الى موفّى ديسمبر 1956 و قصد تطهير الإطارات يمكن للسلطة ذات النظر اتّخاذ الاجراءات التأديبية، إنّ كلمة « الإطارات » عامة تشمل الموظّفين والأعوان بدليل صريح النصّ فالإجراءات التأديبية تتخذ ضدّ الموظّفين و أعوان الدّولة و المؤسّسات العمومية و الجماعات العمومية المحلّية و أضاف هذا الفصل أنّ الوزير المعني بالأمر يحرّر بعد استشارة مجلس الوزراء « قائمة الموظّفين و الاعوان الذين يمكن أن تنالهم » هذه الاجراءات و أوكل الفصل الثاني الى الوزير الأكبر رئيس الحكومة و الى « رؤساء الوزارات »كلّ فيما يخصّه إجراء العمل بما تضمّمه هذا الأمر.

لقد أعفى هذا الأمر السلطة ذات النظر من استشارة المجالس و المنظّمات المطلوب مبدئيا رأيها قبل اتّخاذ الاجراءات التأديبية بمقتضى التراتيب القانونية الجاري بها العمل. و يستفاد من الفصل الأوّل أنّ هذه الإجراءات تتمثل في العزل من الوظيفة العمومية مادام القصد منها هو تطهير الاطارات أي تخليص الادارة من الموظّفين و الأعوان غير المرضي عليهم بسبب ما ينسب إليهم من مخالفات ارتكبوها غير انه لم يحدد نوع هذه المخالفات التي ستوجب المؤاخذة القانونية و ترك للإدارة مطلق السلطة في تحرير قائمة الموظّفين و الاعوان المشمولين بالإجراءات التأديبية.

– الامر الثالث وهو الأمر العلي المتعلّق بإطارات الحكّام و الموظفين الاداريين بوزارة العدل ويضمّ أربعة فصول و جاء تطبيقا لأحكام الأمر العلي المتمّم للأمر العلي المؤرّخ في 14 ذي القعدة 1354/ 7 فيفري 1936 الصادر بالقانون الاساسي لموظّفي الدولة ويخوّل للإدارة الى موفّى ديسمبر 1956 و بعد أخذ رأي مجلس الوزراء اتخاذ نوعين من الإجراءات تكون في شكل أمر ضد موظّفي مختلف الادارات بوزارة العدل مهما كانت وضعيتهم.

– النوع الأوّل هو عقوبة التشطيب من سلك موظّفي وزارة العدل التي يمكن أنّ تسلّط على أيّ موظّف بالوزارة مهما كانت وضعيته و ليس للتشطيب عند اتخاذه تأثير سلبي على الحقّوق المكتسبة في الجراية بشرط ان يكون من أتخذ ضدّه هذا الاجراء قد قضى خمسة عشر عاما على الأقلّ في الخدمة بمعنى أنّ هذا الحقّ موقوف على توفّر شرط الأقدمية الذي قد لا يتوفّر في جميع من تعرّض للشطب عليه.

– النّوع الثّاني هو عقوبة الإحالة على عدم المباشرة في مصلحة الخدمة لمدّة اقصاها خمس سنوات يحتفظ خلالها من اتخذت ضدّه العقوبة بحقّه في الجراية لكن لا يتقاضى أيّ مرتّب أو أيّ منحة في الاثناء و يمكن أن تؤول هذه العقوبة الى التشطيب فبانتهاء مدّة الخمس سنوات يرجع الموظّف أو العون المحال على عدم المباشرة في مصلحة الخدمة الى عمله أو يشطّب عليه فيبقى طيلة تلك المدّة غير عالم بمصيره لاسيّما ان الامر لم يبيّن الاسباب الموجبة لهاتين العقوبتين و تركهما لمطلق السلطة التقديرية لرئيس الادارة المخوّل باتخاذهما.

و سلّطت بواسطة هذه الأمر كثير من العقوبات على ّ قضاة و على اداريين بهذه الوزارة مذكورة اسماؤهم في قوائم كما سلطت اجراءات ادارية.

* العزل دون الجراية ابتداء من نشر هذا الأمر وقد سلّط على قاض بمحاكم الحقّ العام و على ستّة قضاة محاكم الحالة الشخصية وهي عقوبة مخالفة للأمر العلي المتعلّق بإطارات الحكّام و المتوظّفين الإداريين بوزارة العدل لأنّها غير منصوص عليها به فهو ينص على عقوبتين فقط ليس لهما تأثير سلبي على الحق في الجراية وهما التشطيب مع ابقاء الحقّ في الجراية و الاحالة على عدم المباشرة لمصلحة الخدمة لمدّة أقصاها خمس سنوات مع ابقاء الحق في الجراية.

*التشطيب مع ابقاء الحقّ في الجراية ابتداء من 1 اكتوبر 1956 و قد سلّط على موظّف اداري رئيس مصلحة بالإدارة المركزية و على أربعة قضاة من محاكم الحق العام و على عشرة قضاة من محاكم الحالة الشخصية.

*الاحالة على عدم المباشرة دون مرتّب لمدّة أقصاها خمسة سنوات ابتداء من تاريخ نشر هذا الأمر و قد سلّطت على أربعة قضاة من محاكم الحالة الشخصية.

*التشطيب بسبب العجز البدني من اطارات الحكام مع الاحتفاظ بحق الجراية و اتخذ الاجراء ضد ثلاثة قضاة من محاكم الحالة الشخصية أوّلهم مفتي بالمحكمة الشرعية العليا و سمّي بهذا الأمر مفت شرعي و الثاني قاض بقبلّي و الثالث قاض بمطماطة و سمّيا بهذا الأمر قاضيان شرفيان.

* الوضع على ذمّة وزارة الثقافة اتخذ تجاه قاض بمحاكم الحالة الشخصية وهو مفت بالمحكمة الشرعية العليا.

تشترك الأوامر الثلاثة في هضم حقّ الدفاع بالاستغناء عن رأي الهياكل المطلوب منها ابداء رأيها في العقوبات التأديبية المزمع اتخاذها ضد الموظفين و الأعوان العموميين وصدرت في زمن لا يسمح فيه القانون بالقيام بدعوى في تجاوز السلطة ضدّ المقرّرات الادارية اذ لم تؤسس بعد محكمة ادارية تنظر في مقل هذه الدعاوى الادارية . وتشترك هذه الأوامر أيضا في عدم بيان المخالفات او التهم المنسوبة الى من تتخذ ضدّهم العقوبات فهل تعاونوا مع سلطة الاحتلال ام كانوا خصوما سياسيين للوزير الأوّل رئيس الحكومة الحبيب بورقيبة أم هم من ثبت عليهم تقاعسهم في عملهم سواء الاداري او القضائي أم هم من ثبت ارتكابهم لجرائم حق عام مخلّة لا تتلاءم مع ممارسة العمل الاداري او القضائي.

تطهير الإدارة « في عهد بن علي »

لئن قرر الحبيب بورقيبة عملية التطهير بواسطة مجموعة من التشريعات التي استعرضناها في شيء من التفصيل الا انه مع بن علي اتخذ شكلا سريا بوليسيا فقد كان يمارس الهيمنة على الإدارة منذ بدء عملية الانتداب التي تخضع إلى الفرز الأمني و السّياسي بتسليط عنصريةً على المواطنين قوامها التمييز بينهم على أساس هويّتهم السياسية، فيهبهم ما يشاء أو يمنع عنهم ما يشاء، بحسب ولائهم للنظام الحاكم و حزبه أو معارضتهم له. ولقد قامت سلطة بن علي بتصفية الموظفين المعارضين السياسيين بطردهم من الإدارة فكان الموظفون المعارضون حين اعتقالهم من الأجهزة الأمنية تنظم لهم المحاكمات الجائرة ويجز بهم في السجون وفي الاثناء توجه لهم الادارة التي يعملون بها برقية لمقرات سكناهم تعلمهم فيها أنهم في غياب غير شرعي عن العمل و تطلب منهم الالتحاق فورا بمقرّ عملهم و تعلمهم أنّه اذا لم يعودوا الى عملهم ستتّخذ ضدّهم العقوبات التّأديبية رغم علمها باستحالة ما تطلبه منهم بسبب اعتقالهم و سجنهم فتصدر قرارات تعسّفية بطردهم و لقد أطرد نظام بن علي الآلف من الموظّفين بتلك الطريقة التصفوية و لم يسترجعوا حقوقهم إلاّ بفضل المرسوم عدد 1 لسنة 2011 المؤرّخ في 19 فيفري 2011 المتعلّق بالعفو العام [2]

« تطهير الادارة » بعد الثورة

منذ سنة 2011، عاد استخدام شعار “مكافحة الفساد” كشعار سياسي للحكومة بعد الثورة وقام وزير العدل نورالدين البحيري في 2012 بعزل 87 قاضيا وفق معايير غير واضحة جعلت المحكمة الادارية تلغي لاحقا اكثر عمليات العزل التي لم تقم على اسس شرعية .وظلت هذه العملية تلاحق الوزير نورالدين البحيري وحركة النهضة التي اتهمت بمحاولة تصفية خصومها تحت شعر الاصلاح واستغلال نفوذها لوضع انصارها في المناصب الادارية وخاصة صلب وزارة الداخلية.

غير أن ذلك لم يمنع من محاولات إحداث تشريعات في الغرض وفي هذا الإطار، جاء المرسوم عدد 7 لسنة 2011 المؤرخ في 18 فيفري 2011 المتعلق بإحداث لجنة وطنية لتقصي الحقائق حول الرشوة والفساد ثم المرسوم عدد 13 لسنة 2011 مؤرخ في 14 مارس 2011 المتعلق بمصادرة أموال وممتلكات منقولة وعقارية. كما تم، في نفس الإطار، بهدف تعزيز الشفافية إصدار المرسوم عدد 41 لسنة 2011 مؤرخ في 26 ماي 2011 يتعلق بالنفاذ إلى الوثائق الإدارية للهياكل العمومية والذي وقع تنقيحه بموجب المرسوم عدد 54-2011 المؤرّخ في 11 جوان 2011.

كما تم بعثت في النظام القانوني التونسي آليات تهدف لمكافحة الفساد في القطاعين العام والخاص مثل قانون النفاذ الى المعلومة الذي وقع تكريسه في دستور 2014 (الفصل 32) وهيئة مقاومة الفساد التي وقع دسترها أيضا.

كما ، صادق مجلس نواب الشعب على القانـون الأساسي عدد 10 لسنة 2017 المؤرخ في 7 مارس 2017 المتعلق بالإبلاغ عن الفساد وحماية المبلغين وذلك لما تمثله حماية المبلغين من أهمية في محاربة الفساد.

غير ان الجهد التشريعي لم يمنع من انتشار الفساد اذ ظل بحسب ما صرح به شوقي الطبيب رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد مرارا وتكرارا « متغلغلا في دواليب الدولة ويحتاج إلى مجهود سنوات طويلة للحد منه، ، ومرده بحسب راي الطبيب غياب الإرادة السياسية اللازمة، وأيضا التباطؤ في إصدار تشريعات مهمة لمكافحة الفساد والقضاء عليه، بالرغم من تحقيق جهود كبيرة في هذا الشأن، خلال السنوات الماضية « [3]

عودة شعار «تطهير الإدارة » في عهد قيس سعيد

دعا قيس سعيد في لقاءاته في الأشهر الأخيرة مع رئيس الحكومة و مع أعضائها إلى تطهير الإدارة « من كلّ من يعمل على تعطيل أيّ مرفق عمومي» ولاحظ أنّها «ظاهرة تفاقمت خلال الأسابيع الأخيرة سواء في المستوى المركزي أو في المستويين الجهوي والمحلي » وكان افاد يوم 4 سبتمبر 2023 عندما استقبل رئيس الحكومة أنه «تم إعداد مشروع أمر يتعلق بإجراء عملية تدقيق شاملة للمناظرات ومسارات الانتداب ابتداء من جانفي 2011 سيعرض على اجتماع مجلس الوزراء القادم للتداول فيه» .

و افادت رئاسة الجمهورية أنه خلال لقاء جمع يوم 15 سبتمبر بين رئيس الجمهورية و رئيس الحكومة تمّ التأكيد على ضرورة وضع عدد من النصوص من بينها أمر يتعلق بإحداث لجان داخل كل وزارة وفي المؤسسات والمنشآت العمومية خاصة وقد أثبتت مراجعة عدد من الملفات أن عديد الانتدابات تمت في السنوات الماضية اعتمادا على شهادات مزورة فضلا عن الولاءات والمحاباة.

وتنفيذا لشعار تطهير الادارة الذي رفعه قيس سعيد مثل غيره ممن تولوا السلطة في تونس صدر بالرائد الرسمي عدد 108 أمر عدد 591 لسنة 2023 مؤرخ في 21 سبتمبر 2023 يتعلّق بإجراء تدقيق شامل لعمليات الانتداب والإدماج بالوظيفة العمومية والهيئات والمؤسسات والمنشآت العمومية والشركات ذات المساهمة العمومية وسائر الهياكل العمومية الأخرى والمنجزة من 14 جانفي 2011 إلى 25 جويلية.

وينص الفصل الاول من هذا الامر على ان يجرى تدقيق شامل لمختلف الانتدابات وعمليات الإدماج التي تمّت منذ 14 جانفي 2011 إلى غاية 25 جويلية 2021 في الهياكل الادارية التابعة للدولة.

ومن الواضح أن الأمر يستهدف بالأساس مقاومة الانتدابات التي حصلت بعد الثورة للمتمتّعين بالعفو التشريعي العام واكثرهم من مناضلي حركة وقد وقع التركيز على حركة النهضة في عملية التطهير سواء من رئيس الجمهورية في كل خطبه دون ذكر النهضة بالاسم او من قبل الصحافة التي تغذي باستمرار عمليات الخلط بين المنتفعين بالإجراء ومجموعات ارهابية رفعت السلاح في وجه الدولة مثل مجموعة سليمان . وهو ما يضفي طابعا سياسيا واضحا على عملية التطهير.

واستعدادا لعملية التطهير التي لا احد يعلم الاجراءات الادارية التي سيقع الالتجاء اليها من اجل تنفيذها صدر بنفس العدد من الرائد الرسمي المذكور أمر عدد 592 لسنة 2023 مؤرّخ في 21 سبتمبر 2023 يتعلّق بتنقيح الأمر عدد 1245 لسنة 2006 المؤرّخ في 24 أفريل 2006 المتعلّق بضبط نظام إسناد الخطط الوظيفيّة بالإدارة المركزية والإعفاء منها والذي ينص في فصله الأول على ان تلغى أحكام الفصل 9 من هذا الأمر.

يشار الى ان الفصل 9 من الامر المذكور ينص على ان « يتم الإعفاء من الخطط الوظيفية المنصوص عليها بالفصل الأول بمقتضى أمر وعلى أساس تقرير كتابي صادر عن الوزير الذي يمارس سلطة التسلسل أو الإشراف الإداري إزاء الأعوان المعنيين يوجه إلى العون المعني بالأمر لتقديم ملاحظاته الكتابية».

و سيسمح هذا الالغاء للفصل 9 من الامر المذكور للوزراء الإعفاء من الخطط ( من رئيس مصلحة الى مدير عام) دون أي تبرير وبالتالي سيطلق أيديهم للقيام بما يسمى تطهير الإدارة من الفاسدين وتعويضهم طبق أهداف النظام من جزاء الموالين ومعاقبة المعارضين. [4]

أخيرا ان تعهد الإدارة بالإصلاح بقصد تحسين الخدمة التي تقدمها للمواطن ومقاومة كل اشكال الفساد الاداري من محسوبية ورشوة واختلاس للمال العام أمر ضروري ومطلوب مع استبعاد كلمة التطهير بحمولاتها العنصرية والفاشية غير ان كل تجارب الاصلاح التي رأيناها كانت عمليات غرضها الاستلاء على الادارة وتقديم الموالين واستبعاد المختلفين والمعارضين وفق اجراءات في اكثرها غير واضحة وتعسفية وهكذا لم تكن التجارب المذكورة منذ الاستقلال في اصلاح الادارة او « تطهيرها » تعني أي شيء تقريبا مما يرتبط بأية عملية إصلاح فعلي للإدارة بما تعنيه من الاهتمام بالعنصر البشري، من خلال بناء نظام كـفء للتعيـين علـى أساس الكفاءة ، والقدرة على تحمل المسئولية وإقرار منظومـة تخطـيط المسار الوظيفي بناء على الكفاءة وحدها دون غيرها مع تفعيل الإجراءات الإدارية المتبعة في الإعداد لتولي الوظيفة العامة، بما يخلق فرصا متساوية لجميع المواطنين من حيث شروط التقديم للمسؤولية الوظيفية ، واختبار الكفاء ة، ، كل ذلك مع محاسبة المقصرين في أداء واجباتهم. وفق إجراءات ادارية واضحة بناء على دولة القانون والمؤسسات، التي يسودها تطبيق القانون بمنأى عـن الاستغلال السياسي لعملية الإصلاح و يحظى هذا التوجـه بـدعم مباشر من أعلى قمة في السلطة التنفيذية، مع تعزيز استقلالية القـضاء، وترسيخ الديمقراطية، وحماية حقوق الإنسان.[5]


الهوامش

[1] ارتبط موضوع اصلاح الادارة في تونس بغرض مقاومة الفساد ولكن في اطار سياسي حيث ذكر عمر الشاذلي طبيب الرئيس الحبيب بورقيبة و مدير ديوانه و الوزير السابق أن « الرئيس الحبيب بورقيبة بعد ان تخلص من متاعبه الصحية انشغل منذ عام 1984 بصعود الاصولية والفساد الذي بدا يظهر للعيان »

Amor Chadli « La vérité dévoilée « . P143

[2] انور القوصري « حذاري من شعار تطهير الإدارة » الزراع 17 ماي 2023

[3]ايمان الحامدي « شوقي الطبيب: خسائر تونس من الفساد 3 مليارات دولار سنويا » العربي الجديد ً10 فيفري 2020

ويذكر في هذا الصدد ان شوقي الطبيب اقيل من منصبه يوم 24 اوت 2020 ثم وضعته السلطات الأمنية قيد الإقامة الجبرية في 20 اوت 2021 وذلك بعد ساعات من إخلاء الشرطة مقر الهيئة في خطوة يرجح أنها كانت محاولة من الرئيس قيس سعيّد لعدم إتلاف أي ملفات فساد. ويأتي هذا الإجراء في إطار التدابير « الاستثنائية » التي اتخذها سعيّد واستنادا لقانون الطوارئ. وفي أواخر جويلية 2021، فتح القضاء التونسي قضيتين بحق شوقي الطبيب تتعلقان بضبط وثيقة مزورة وسوء إدارة الهيئة المستقلة لمكافحة الفساد.ورفعت عنه الإقامة الجبرية يوم 10 اكتوبر 2021 ولا يعلم مصير التتبعات القضائية التي فتحت ضده .

[4] تستعمل جمعية القضاة في بيانها المطول حول الحركة القضائية لسنة 2023 – 2024 مصطلح « الجزاء والعقاب » مؤكدة ان الحركة قامت على مجازاة قضاة السلطة ومعاقبة القضاة المستقلين… انظر بيان جمعية القضاة الصادر في 5 سبتمبر 2023

[5]المجلة العلمية لقطاع كليات التجارة العدد العاشر جانفي 2013)الإصلاح الإداري مفهومه… وآليات تطبيقه…(دراسة مقارنة »د. سحر عبداالله

ص 340

https://vu.fr/bvXRC

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات