الانتخابات التشريعية المقبلة، هل هي سابقة لأوانها ؟ : فساد المصطلح في ظل عبث الممارسة

ان القوانين التى تلجم الأفواه و تحطم الأقلام تهدم نفسها بنفسها
سبينوزا

نشر بالرائد الرسمي عدد 102 المؤرخ في 15 سبتمبر 2022 نصان يتعلق اوّلهما بالانتخابات وبالاستفتاء وهو المرسوم المنقح للقانون المتعلّق بالانتخابات والاستفتاء و قد اعتمد للانتخابات التشريعية نظام الاقتراع على الأفراد في دورة واحدة أو دورتين عند الاقتضاء في دوائر انتخابية ذات مقعد واحد و قلّص عدد الدوائر الانتخابية و عدد النواب من 217 الى 161.

و يتعلق الثاني خصيصا بالانتخابات التشريعية المقررة لديسمبر القادم وهو الأمر الرئاسي عدد 710 لسنة 2022 المتضمّن في فصله الأوّل دعوة الناخبين لانتخابات أعضاء مجلس نوّاب الشّعب و حدد الموعد يوم 17 ديسمبر 2022 للناخبين المقيمين بالبلاد التونسية و أيّام 15 و 16 و 17 ديسمبر 2022 للناخبين المقيمين بالخارج.

منذ صدور هذين النصين اهتم الرأي العام في تونس بالانتخابات التشريعية القادمة وبالظروف التي ستجرى فيها و اعتبرها البعض تشريعية سابقة لأوانها [1] دون أي تعليل لهذا التصنيف واعتبرها آخرون أوّل تشريعية سابقة لأوانها في تاريخ تونس [2].

1) )الانتخابات المقررة للشهر ديسمبر 2022 هل هي انتخابات سابقة لأوانها ؟

إن الانتخابات التشريعية السابقة لأوانها والبعض يسميها مبكرة هي التي تجرى قبل انتهاء مدة ولاية المجلس التشريعي وفق ما ينص عليه الدستور او العرف الدستوري ( في تونس بحسب دستور 2014 هي خمس سنوات ) و تنظّم في ظل نفس الدستور الذي أجريت طبق أحكامه الانتخابات التي انبثق عنها البرلمان المنحل إذا لم يتجه مراجعة هذه الأحكام كما وقع في تشريعيات 1981 و 1989 في تونس كما سنرى لاحقا . وهكذا فان الانتخابات التشريعية السابقة لأوانها لا تستمد صفتها المبكرة من كونها أجريت اثر حل برلمان سابق بل من كونها تجري وفق نفس الدستور الذي أجريت طبق أحكامه الانتخابات التي سبقتها والتي لم تستغرق كامل المدة النيابية التي ينص عليها الدستور، بل حل البرلمان قبلها .

أ) التجربة التونسية

بناء على هذا التعريف الموجز سالف الذكر فان انتخابات 2014 ليست سابقة لأوانها رغم انه تم حل البرلمان بغرفتيه بقرار ذاتي ( مجلس النواب ومجلس المستشارين) في 2011 وهما الغرفتان اللتان انتخب اعضاؤهما طبق أحكام دستور 1959 كيف ذلك ؟

أولا : لأنه تم حل مجلس النواب و مجلس المستشارين عملا بأحكام المرسوم عدد 14 لسنة 2011 المتعلق بالتنظيم المؤقت للسلط العمومية و ليس عملا بأحكام دستور 1959.

ثانيا : لا ينص هذا المرسوم على امكانية اجراء تشريعية سابقة لأوانها.

ثالثا : لأنها لم تنظم طبق احكام دستور 1959 و لا طبق احكام المرسوم عدد 14 لسنة 2011.

بل نظّمت طبق أحكام دستور27 جانفي 2014 وهو دستور الجمهورية الثانية.

ب ) في التجربة المقارنة

في فرنسا يتكون برلمان الجمهورية الخامسة من غرفتين هما الجمعية الوطنية و مجلس الشيوخ و يخوّل الفصل 12 من الدستور[3] لرئيس الجمهورية حل الجمعية الوطنية و هو ما يترتب عنه اجراء انتخابات تشريعية سابقة لأوانها و تنظم طبق أحكام نفس الدستور ويلجأ الرئيس الفرنسي الى هذا الفصل حتى تكسب عائلته السياسية اغلبية برلمانية مطلقة تسمح له بتمرير مشاريعه التي اعلن عنها في حملته الانتخابية و حاليا لا يستبعد المحللون السياسيون ان يلجأ الرئيس الفرنسي إمانويل ماكرون إلى حل الجمعية الوطنية بسبب الصعوبات التي تعترض الحكومة في تمرير مشاريع القوانين التي تقدّمها ومن بينها مشروع قانون المالية فإذا فعّل هذا الفصل تجرى تشريعية سابقة لأوانها . فلئن أعيد انتخابه في الدور الثاني في شهر أفريل 2022 رئيسا للجمهورية فإن عائلته السياسية لم تكسب الأغلبية المطلقة و احرزت على اغلبية نسبية في البرلمان المنتخب في دورتين يومي 12 و 19 جوان 2022 أي في موعد لاحق للرئاسية.

مع العلم ان حل البرلمان و الدعوة لتشريعية سابقة لأوانها هي عملية محفوفة بالمخاطر لمن يقوم بها في الانظمة القائمة على التعددية السياسية وقد يترتب عنها عكس ما كان ينتظر منها فالرئيس الفرنسي الأسبق اليميني جاك شيراك كان حل البرلمان ودعا الي تشريعية سابقة لأوانها اسفرت على احراز تحالف اليسار على الأغلبية و اضطر الى تكليف الاشتراكي « ليونال جوزبان »وزيرا أوّل في تجربة تعايش صعبة بين اليمين واليسار.

2)) التشريعية السابقة لأوانها في ظل نظام الحزب الواحد قبل الثورة

يعتقد البعض ان الانتخابات القادمة في 17 ديسمبر 2022 هي تشريعية سابقة لأوانها كما بينا و أنها الأولى من توعها أيضا فإذا سلمنا له جدلا بأنها مبكرة فهل هي الاولى من نوعها في تونس.

لقد عرف تاريخ الانتخابات التشريعية في تونس بعد الاستقلال انتخابات تشريعية سابقة لأوانها في مناسبتين في 1981 وفي 1989 و قد نصت الأوامر المنظمة لها على انها انتخابات تشريعية سابقة لأوانها.

أ- تشريعية سنة 1981

اثير موضوع اجراء تشريعية سابقة لأوانها في المؤتمر الموصوف بالخارق للعادة الذي كان الحزب الاشتراكي الدستوري نظّمه في شهر أفريل 1981 و افتتحه الحبيب بورقيبة رئيس الحزب و رئيس الدولة بخطاب قال فيه انه لا يرى مانعا من ان توجد في البرلمان قوى حية وطنية سياسية او اجتماعية تكون ممثلة فيه اثر انتخابات تتنافس فيها قائمات الحزب بشرط الامتثال للشرعية الدستورية و حماية مكاسب الأمة و نبذ العنف و التطرف و قد نادى بعض نواب المؤتمر بتشريعية سابقة لأوانها وصرّح الناطق الرسمي باسم المؤتمر ان عدة نواب اثاروا هذا الموضوع و ان الكلمة الاخيرة تعود للمؤتمر لكن هذا الأخير دعا في لائحته المكتب السياسي للحزب الى النظر في الموضوع اعتبارا لسياسة الانفتاح علما ان البرلمان القائم حينئذ انتخب اعضاؤه عام 1979 وكانت مدته النيابية تنتهي عام 1984.

لكن المكتب السياسي لم يكن متحمسا للموضوع لأسباب عدة من بينها الاشكال الدستوري القائم وقتها اذ ان التشريعية السابقة لأوانها كان يجب ان تتم وفق الدستور و تتطلّب حل مجلس النواب لكن عملا بأحكام الفصلين 62 و 63 لا يسمح الدستور لرئيس الجمهورية بحل البرلمان إلاّ اذا عارض المجلس الحكومة في مواصلة تحملها لمسئولياتها في تنفيذ السياسة التي ضبطها رئيس الجمهورية ثم صادق النواب على لائحة لوم ضدها غير ان الحكومة و المجلس لم يكونا وقتها في خلاف بشأن تنفيذ السياسة التي ضبطها رئيس الجمهورية.

حسم الحبيب بورقيبة رئيس الحزب و رئيس الدولة الموضوع عندما دعا أعضاء مجلس النواب الى العمل على تنفيذ توصيات الحزب قصد السماح بإجراء تشريعية سابقة لأوانها و اقترح البعض استقالة النواب سواء فرديا او جماعيا إلاّ أنّ الاستقالة الفردية و لئن كانت جائزة إلاّ أنها إرادية ولا يمكن فرضها على النائب، بل يترتب عنها اذا قرر النائب الاستقالة إجراء انتخابات جزئية لسد الفراغ فقط.

و أمّا الاستقالة الجماعية فيترتب عنها فراغ مؤسساتي وهو أمر محظور ويمثل خرقا للدستور الذي يحرص على استمرارية عمل السلطة التشريعية وقيام الدولة فلا مجال لأي شغور حتى ولو كان وقتيا في مستوى البرلمان او غيره من سلطات الدولة فالفصل 23 من دستور 1959 ينص على تمديد مدة المجلس بقانون اذا تعذّر بسبب حرب او خطر داهم اجراء الانتخابات في المدة المقررة دستوريا وهو الثلاثين يوما الاخيرة من المدة المنتهية للمجلس القائم . كيف الخروج من هذا المأزق ؟

يمتثل السياسي في قراراته نظريا لأحكام الدستور السابقة الوضع غير انه في بلاد الحزب الواحد او الحزب المهيمن يكون الدستور في خدمة السياسي يطوّعه لخدمته وينقحه وقف ما يشاءه لتوفير الشرعية لقرارات هي مبدئيا تخرق احكامه ففي يوم 26 ماي 1981 عرض رئيس المجلس على النواب مشروع تنقيح دستوري غير مبرمج في جدول أعمال الجلسة به فصل وحيد ينص على :

– انه استثناء للفصل 22 من الدستور تجري انتخابات تشريعية سابقة لأوانها قبل يوم 31 ديسمبر .1981

– يجتمع مجلس النواب الجديد المنتخب طبقا لهذا القانون الدستوري في اجل الثمانية ايام الموالية ليوم الاقتراع.

– تنتهي المدة النيابية الجارية لمجلس النواب يوم اجتماع مجلس النواب الجديد.

و قبل البدء في مناقشة مشروع التنقيح ذكّر رئيس المجلس النواب بان الحزب هو الذي رشحهم و أنهم منتخبون باسمه و ذكرهم ايضا بواجب الانضباط الحزبي الذي يفرض عليهم الامتثال لقرارات الحزب و لما قرره رئيسه و هو ما لم يمنع اعتراض نائبين اثناء هذه الجلسة كما لم يمنع بعض التحفظات أثناء الجلسات الموالية ولكن اخيرا تمت المصادقة على التنقيح الدستوري يوم 7 سبتمبر 1981 في جلسة خارقة للعادة و ختمه رئيس الجمهورية يوم 9 سبتمبر 1981.

وللتذكير فقبل تنظيم تشريعية 1979 احدث تعديل على المجلة الانتخابية اعتمد القائمات المضاعفة في الترشح لعضوية البرلمان و سمح هذا التعديل بالمنافسة بين أعضاء الحزب الاشتراكي الدستوري نفسه فالدائرة الانتخابية التي بها مقعد واحد يترشح لها شخصان من هذا الحزب و في اطار الاعداد للتشريعية السابقة لأوانها اجري تعديلان على المجلة الانتخابية ايضا تم في الأوّل التخلي عن القائمة المضاعفة والتنصيص على أن يكون عدد المترشحين بكل قائمة مساويا لعدد المقاعد المخصصة للدائرة الانتخابية المعنية ليفتح باب المنافسة بين قائمات المشاركين في الانتخابات لا بين نواب الحزب الحاكم فقط بل بين أحزاب » المعارضة » و المستقلين و الائتلافات وتم في الامر الثاني السماح بالمزج بين القائمات المترشحة [4].

أعلنت النتائج النهائية بفوز الحزب الاشتراكي الدستوري بكل المقاعد فاقتصرت تعدديتها فقط على المشاركة فيها دون نتائجها لقد كانت بقرار من الحبيب بورقيبة نفسه وفق تصوره لعلاقة الحزب بالدولة.

فلقد اكّد بوضوح في مؤتمر الحزب الاشتراكي الدستوري المنعقد في سبتمبر 1974 بعنوان مؤتمر الوضوح انه في يخص علاقة الحزب بالدولة فالقاعدة المتفق عليها منذ الاستقلال هي ان يضطلع الحزب دوما بوظيفة التصميم لأعمال الدولة في خطوطها العريضة و اختياراتها الاساسية فالدولة اداة الحزب لتنفيذ رسالته التاريخية فمن الطبيعي ان يعني الحزب بمصير الدولة ليضمن لها الاستقرار و النجاعة .

ب – تشريعية و رئاسية 1989

يوم 3 اكتوبر 1987 اصدر الرئيس الحبيب بورقيبة امرا بتسمية زين العابدين بن علي وزيرا للداخلية و بعد شهر اعتمد زين العابدين بن علي على الفصل 57 من الدستور ليزيح الرئيس الحبيب بورقيبة بحجة الشغور في منصب رئاسة الجمهورية بسبب العجز التام و تولى فورا مهام رئاسة الجمهورية لكن لم يكتف بشرعية هذا الفصل الذي عملا بأحكامه يظل يشغل مهام رئاسة الجمهورية لما بقي من المدة النيابية الجارية زمن تفعيله احكام هذا الفصل والتي تنتهي سنة 1991 و سعى الى اكتساب شرعية انتخابية قبل حلول موعد الانتخابات القادمة بتنظيم انتخابات تشريعية سابقة لأوانها.

و هنا اصطدم بن علي بنفس العائق الدستوري الذي سبق ان واجهته تشريعية 1981 السابقة لأوانها و لغاية تجاوز هذا العائق الدستور استلهم من تجربة بورقيبة في تطويع الدستور للقرار السياسي فتم تنقيح الدستور بالقانون الدستوري عدد 88 لسنة 1988 المؤرخ في 25 / 07 / 20 1988 ومن بعض ما جاء في احكامه الانتقالية :


• انه يمكن لرئيس الجمهورية الذي تنتهي مدته النيابية خلال شهر نوفمبر 1991 ان ينظم قبل انتهاء هذه المدة انتخابات سابقة لأوانها إمّا رئاسية، او تشريعية، او رئاسية و تشريعية معا.

• ان المدة الرئاسية الجارية تنتهي حال الاعلان عن نتائج الانتخابات الرئاسية السابقة لأوانها.

• ان المدة النيابية الجارية لمجلس النواب تنتهي يوم اجتماع مجلس النواب الجديد.

و بناء على تنقيح الدستور قرر اجراء انتخابات سابقة لأوانها رئاسية و تشريعية و اصدر للغرض الأوامر المنظمة لهما.

نستخلص من تجربة تشريعيتي 1981 و 1989 السابقتين لأوانهما ان الدستور لا يوضع في أنظمة الاستبداد قصد تنظيم الحياة السياسية بل خدمة لأغراض الحاكم وإذا لم يستجب هذا الدستور لأغراضه نقحته على وجه السرعة في عملية يستجيب لها النواب طوعا او كرها بل ان الادهى من ذلك ان بعض السياسيين لا يكتفون بتعديل للدستور بل يعمدون بشكل فردي الى كتابة دستور جديد يفرضونها على مؤسسات الدولة وعلى المواطنين.

3) )تنظيم الانتخابات الرئاسية و التشريعية السابقة لأوانها وفق دستور 2022

فبموجب الفصل 109 من دستور 2022 واثر شغور منصب رئيس الجمهوريّة بسبب الوفاة أو الاستقالة أو لعجز تامّ أو لأيّ سبب من الأسباب يتولّى رئيس المحكمة الدّستوريّة فورا مهامّ رئاسة الدّولة بصفة مؤقّتة لأجل أدناه خمسة وأربعون يوما وأقصاه تسعون يوما ويؤدي اليمين الدستورية بصفته قائما بمهام رئيس الجمهورية بصفة مؤقتة وخلال المـــدّة الرّئاسيّة الوقتيّة يتمّ انتخاب رئيس جمهوريّة جديد لمدّة خمس سنوات في انتخابات سابقة لأوانها كما لرئيس الجمهورية صلاحية ان يحل مجلس نوّاب الشّعب والمجلس الوطنيّ للجهات والأقاليم أو أحدهما ويدعو إلى تنظيم انتخابات تشريعيّة سابقة لأوانها
كما ينص الفصل 115 من دستور 2022 على انه يمكن لرئيس الجمهوريّة إذا وجّهت لائحة لوم ثانية للحكومة أثناء نفس المدّة النّيابيّة إمّا أن يقبل استقالة الحكومة أو أن يحلّ مجلس نوّاب الشّعب والمجلس الوطنيّ للجهات والأقاليم أو أحدهما.

وتنص الفقرة الثانية من هذا الفصل على انه يجب أن ينصّ الأمر المتعلّق بالحلّ على دعوة النّاخبين لإجراء انتخابات جديدة لأعضاء مجلس نوّاب الشّعب ولأعضاء المجلس الوطنيّ للجهات والأقاليم أو لأحدهما في مدّة لا تتجاوز الثّلاثين يوما بما يعني إجراء تشريعية سابقة لأوانها .

4) )هل ينتظر تونس في المستقبل مأزق دستوري خطير ؟

وبناء على هذه القراءة التي قدمنها والتي تمزج بين الحاضر والماضي والتي تنفي ان تكون الانتخابات المقررة في 17 ديسمبر 2022 انتخابات تشريعية سابقة لأوانها مثلما تكتب صحافتنا التي تتراقص لديها المصطلحات رقصة العبث الاصطلاحي فالمصطلح هنا فاسد ولا يقوم على أي تعليل دستوري للتسمية تتراءى لنا في الأفق القريب او البعيد جميع مؤشرات ازمة دستورية قادمة في ظل الازمة السياسية التي تعيشها البلاد.

فالأحزاب المعارضة لتمشي قيس سعيد منذ 25 جويلية 2021 ( جل الأحزاب يمينا ويسارا ووسطا ) ترفض دستور 2022 وتعتبره انقلابا على دستور 2014 وعلى النظام الدستوري قبل 25 جويلية 2021 و تدعو الى انتخابات تشريعية ورئاسية سابقة لأوانها.

فقد طالبت « جبهة الخلاص الوطني » في تونس الرّئيس قيس سعيد بالاستقالة وفسح المجال لتنظيم انتخابات عامة رئاسية وتشريعية سابقة لأوانها جاء ذلك وفق بيان صادر عن الجبهة يوم الثلاثاء 26 جويلية 2022

ولا ندري على أي أساس دستوري قامت هذه الدعوة لان استقالة الرئيس لا تؤدي دستوريا إلى انتخابات تشريعية مبكرة، بل إلى انتخابات رئاسية مبكرة وفق دستور 14 جانفي كما وقع ذلك بعد وفاة الباجي قائد السبسي فجبهة الخلاص لا تعترف بغير دستور 2014 كما تطالب الجبهة بتكوين حكومة مؤقتة يكون من مشمولاتها الاعداد لهذه الانتخابات ولا ندري هنا ايضا وفق أي مبدأ دستوري سوف تتشكل هذا الحكومة.

اما الحزب الحر الدستوري فقد طالب بحل البرلمان وهو ما تمّ فعلا وبناء على هذا لا تنفك عبير موسي رئيسة الحزب منذ حل البرلمان تدعو إلى انتخابات رئاسية سابقة لأوانها وهنا ايضا لا.

ندري على أي أساس دستوري تقوم هذه الدعوة على دستور 2014 الذي لا تكاد موسي تعترف به او دستور 2022 الذي ترفضه جملة.

خلاصة هذا الموجز أننا نعيش فوضى على مستوى المصطلح، ولكن فوضى ايضا على مستوى ممارسة قيس سعيد للحكم بشكل فردي سادها الاضطراب، ولكن فوضى ايضا في تصورات المعارضة للمستقبل.

فقد حل قيس سعيد مجلس نواب الشعب بالأمر عدد 309 لسنة 2022 المؤرّخ في 30 مارس 2022 والذي اسسه على فصل من دستور 2014 لا ينص على صلاحية حل البرلمان و تبعا لذلك لا ينص على امكانية اجراء تشريعية سابقة لأوانها و هو الفصل 72 بينما يخوّل هذا الدستور في الفصل 89 لرئيس الجمهورية حل البرلمان و الدعوة الى انتخابات تشريعية جديدة اذا مرّت أربعة أشهر من التكليف الأوّل و لم يوفق أعضاء البرلمان المنتخب حديثا في منح الثقة إلى حكومة أولى ثم الى حكومة ثانية.

فبناء على الفصل 89 تحري الانتخابات التشريعية الجديدة بعد حل البرلمان في اجل ادناه 45 يوما و اقصاه 90 يوما و قد انقضى هذا الاجل و لم تجر خلاله انتخابات تشريعية وهو ما يعني الخروج تماما عن مقتضيات دستور 2014.

وتكريسا للتخلص نهائيا من دستور الثورة دعا قيس سعيد بالأمر عدد 506 لسنة 2022 المؤرخ في 25 ماي 2022 الى الاستفتاء يوم 25 جويلية 2022 على مشروع دستور جديد.

وبناء على الدستور الجديد الذي صاحب اعداده ونشره فوضى غير مسبوقة تكاد تتحول الى عبث دعا رئيس الجمهورية الناخبين الى انتخابات تشريعية يوم 17 ديسمبر القادم.

ولا احد يدري كيف ستجري هذه الانتخابات في ظل مقاطعة جل الاحزاب و كثير من منظمات المجتمع المدني لها كما لا احد يدري الى حيث تقود هذه السياسة – التي تتأسس على حكم فردي مطلق لا يعترف بأحد – تونس : الى الهدوء والاستقرار أم الى المواجهة بين السلطة ومعارضيها ؟ كما لا احد يعلم على اي قاعدة دستورية يتأسس تصور المعارضة للحل للخروج مما تسميه انقلاب 25 جويلية ؟… فالأمر هنا لا يقتصر على ما قام به قيس سعيد من الغاء فردي وخارج أي منطق دستوري لدستور 2014، بل يسري على كل دعوات المعارضة أيضا والتي تتحدث عن وضعيات لا احد يعلم على ماذا سوف تنهض على دستور 2014 الذي لا يمكن ان يوفر لكل التصورات المذكورة اي سند شرعي او على دستور 2022 الذي لا تعترف به اغلب الأحزاب او على توافق مجتمعي ( حكومة مؤقتة قد تتكوّن بهذا التوافق و توفّره ) يبدو أمرا بعيد المنال إن لم يكن مستحيلا في ظل تفرق المعارضة وتشتتها؟

ان ما يحدث منذ 25 جويلية 2021 هو لخبطة دستورية ستؤدي عاجلا او آجلا إلى أوضاع صعبة قد لا يسهل على البلاد الخروج منها دستوريا ان لم تصل الى توافق مع سعيد او بدونه ، مما قد يفتح الباب أمام كل السيناريوهات غير الدستورية المعروفة والتي يمتلئ بها تاريخ الأنظمة العربية و الافريقية.

فماذا ينتظر تونس في نهاية هذا المأزق الذي تردت فيه والذي ينذر هذه الأيام بحسب كثير من المؤشرات الى مخاطر جمة بدأت ملامحها تتضح بتوسع دائرة الغضب الشعبي والاحتجاجات الاجتماعية هنا وهناك ؟


الهوامش

[1]

-La Presse « Législatives anticipées du décembre prochain : Un mois pour découvrir le prochain Parlement » Abdlekarim Dermech 23 sept 2022

-La Presse : Législatives anticipées : Quel avenir pour les partis politiques ?
Un discours trompeur à dénoncer Abdlekarim Dermech 10 oct 2022

– La Presse : « Décret présidentiel électoral : Les parrainages résisteront-ils à l’amendement » Abdlekarim Dermech 12 oct 2022

– La Presse « Nouvelle loi électorale : Un oubli qu’il importe de corriger » Abdlekarim dermech 15 oct 2022

– وات : «حول قبول الترشحات : منوبة تسجّل 77 متقدّما للترشح للانتخابات التشريعية السابقة لأوانها الى حدود أمس السبت و عملية بيضاء حول قبول الترشحات » 16 اكتوبر 2022

–« حقائق أون لاين » « برلمان : قانون لعبة جديد … تحكيم مطعون في نزاهته وانسحابات قبل الانتخابات » بسام حمدي 04 اكتوبر 2022

[2]المرجع السابق وتجدر الاشارة هنا ايضا الى انه خلافا لما يقوله بسام حمدي » فان البرلمان الذي حلّه رئيس الجمهورية قيس سعيد هو الذي افرزته انتخابات 2019 و ليس الذي افرزته انتخابات .2014

[3] – L’article 12 de la Constitution française de 1958 :

Le Président de la République peut, après consultation du Premier ministre et des présidents des assemblées, prononcer la dissolution de l’Assemblée nationale.

Les élections générales ont lieu vingt jours au moins et quarante jours au plus après la dissolution.

L’Assemblée nationale se réunit de plein droit le deuxième jeudi qui suit son élection. Si cette réunion a lieu en dehors de la période prévue pour la session ordinaire, une session est ouverte de droit pour une durée de quinze jours.

Il ne peut être procédé à une nouvelle dissolution dans l’année qui suit ces élections.

[4]

Revue tunisienne de Droit ( RTD) 1981 :

*Chronique législative par Mohamed Fafhel Moussa et Farhat Horchani

* Chronique politique et constitutionnelle par Abdelfattah Amor

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات