هل مازال بالإمكان الحديث عن دستور في تونس ؟

« إِنَّكَ لَنْ تَخْرُقَ الأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً »
الإسراء( 37 )

يظن البعض ان التناقض الذي وقع فيه الرئيس قيس سعيد بين القول إن الدستور لا يسمح بحل البرلمان ثم حله بين يومين بموجب الفصل 72 هو تناقض يعود الى تصريحاته الأخيرة في حين ان هذا التناقض أقدم من ذلك بكثير لان واقع في صلب مقررات الرئيس منذ ليلة 25 جويلية .

سنعود في هذه الورقة الى تواتر الأحداث والأقوال الرئاسية والاوامر والمراسيم لبيان حجم التناقض الذي وقعت فيها مؤسسة الرئاسة وحجم الفوضى التي تعيش فيها البلاد.

(1) رئيس الجمهورية لا يحل البرلمان استنادا إلى الدستور

أكّد قيس سعيد عديد المرات ان التدابير الاستثنائية التي يزعم انه اتخذها على معنى الفصل 80 من الدستور لا تدخل ضمنها صلاحية حل مجلس نواب الشعب و جاء هذا التأكيد سواء في كلماته او في الاوامر التي يصدرها.

أ- في كلمته مساء يوم 25 جويلية 2021

مساء يوم 25 جويلية 2021 سعيد في كلمة متلفزة توجه بها الى الشعب عن جملة من التدابير اسّسها على الفصل 80 من الدستور من بينها تجميد كلّ اختصاصات المجلس النيابي و رفع الحصانة عن كل اعضاء هذا المجلس.

واشار رئيس الجمهورية في كلمته أنّ الدستور لا يسمح بحلّ مجلس نواب الشعب و لكن لا يقف مانعا أمام تجميد كلّ أعماله.

ب – في الاوامر التي أصدرها

اثر ليلة 25 جويلية قرّر رئيس الجمهورية تعليق اختصاصات البرلمان ابتداء من يوم 25 جويلية 2021 بالأمر عدد 80 لسنة 2021 المؤرخ في 29 جويلية 2021 الذي ينصّ على تعليق اختصاصات مجلس نواب الشعب لمدة شهر ابتداء من يوم 25 جويلية 2021 قابلة للتمديد بأمر رئاسي وينص على رفع الحصانة عن كل أعضاء مجلس نواب الشعب طيلة مدة تعليق أعماله.

و تواصل التعليق مدة ثمانية أشهر فقد تم التمديد في مدّته بالأوامر الرئاسية الآتي بيانها:

– الأمر الرئاسي عدد 109 لسنة 2021 المؤرخ في 24 أوت 2021 الذي ينص على التمديد في التدابير الاستثنائية المتعلقة بتعليق اختصاصات مجلس نواب الشعب وبرفع الحصانة البرلمانية عن كل أعضائه وذلك إلى غاية إشعار آخر.

– الأمر الرئاسي عدد 117 لسنة 2021 المؤرّخ في 22 سبتمبر 2021 المتعلق بتدابير استثنائية و الذي ينصّ على تواصل تعليق جميع اختصاصات مجلس نواب الشعب و على تواصل رفع الحصانة البرلمانية عن جميع أعضاء مجلس نواب الشعب وعلى وضع حد لكافة المنح و الامتيازات المسندة لرئيس مجلس نواب الشعب وأعضائه وينص ايضا على ان إصدار النصوص ذات الصبغة التشريعية يتمّ في شكل مراسيم يختمها رئيس الجمهورية ويأذن بنشرها بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية وذلك بعد مداولة مجلس الوزراء.

ومن الواضح ان الامر 117 قد الغى العمل بالبابين الثالث والرابع من الدستور المتصلين بالسلطة التشريعية والتنفيذية وعوضهما بنظام مؤقت للسلط العمومية وهو ما يعني ايقاف العمل بالباب الرابع المتعلق بالسلطة التنفيذية ومنها الفصول المتعلقة برئيس الجمهورية وتحيدا الفصل 72 وذلك وفق ما ورد بالفصل 20 من الامر 117 الذي ينص على انه يتواصل العمل بتوطئة الدستور وبالبابين الأول والثاني منه، « دون الابواب والفصول الاخرى » ومن الجدير بالتذكير هنا المخالفة الصريحة للامر 117 للدستور من حيث صدوره ممن ليس له صلاحية تأسيسية مما انجر عنه عدم احترامه للباب الثامن من الدستور الذي موضوعه و عنوانه «تعديل الدستور » وبذلك وقع الغاء العمل بالباب الثالث المتعلق بالسلطة التشريعية وبالباب الرابع المتعلق بالسلطة التنفيذية وتعوضيهما بتنظيم جديد لهاتين لسلطتين بأن اصبحتا موضوع تدابير خاصة بكل واحدة منهما. فالباب الثاني من الامر 117عنوانه « التدابير الخاصة بممارسة السلطة التشريعية » و عنوان الباب الثالث « التدابير الخاصة بممارسة السلطة التنفيذية » وهكذا لا ينص الباب الثالث في الامر 117 لسنة 2021 على صلاحية حل مجلس نواب الشعب و انما يواصل تعليق جميع اختصاصاته و تسحب منه صلاحيته التشريعية و تسند الى السلطة التنفيذية ممثلة في رئيس الجمهورية وفي مجلس الوزراء.

ج- في كلمته يوم 28 مارس 2022

اكّد رئيس الجمهورية يوم 28 مارس 2022 خلال اشرافه على اجتماع مجلس الامن القومي مرة اخرى ان مجلس نواب الشعب مجمّد و ان مكتبه مجمّد و اشار الى ان المطالب بحل مجلس نواب الشعب تصاعدت لكن لم يتمّ اللجوء الى حلّه احتراما للدستور الذي لا يتيح ذلك، بل تمّ التجميد الى ان يتم تنظيم انتخابات جديدة.

(2) رئيس الجمهورية يحلّ البرلمان استنادا الى الدستور

و بعد يومين فقط من تصريح 28 مارس أي يوم 30 مارس 2022 اشرف رئيس الجمهورية على اجتماع مجلس الامن القومي و اعلن خلاله بناء على الفصل 72من الدستور حل المجلس النيابي حفاظا على الدولة و على مؤسساتها وعلى الشعب التونسي ثم اصدر الام عدد 309 المؤرخ في 30 مارس 2022 المتعلق بحلّ مجلس نواب الشعب و الذي اسسه على الدستور و خاصة الفصل 72 المذكور و على الثلاثة اوامر المذكورة اعلاه.

ينص الفصل 72 من الدستور على ان « رئيس الجمهورية هو رئيس الدولة ورمز وحدتها يضمن استقلالها واستمراريتها ويسهر على احترام الدستور » و من الواضح ان لا صلة لهذا الفصل بحل البرلمان اذ ان الحالات يسمح الدستور فيها بحل البرلمان هي المنصوص عليها بالفصل 89 منه وهي بصفة عامة التي لم يمنح فيها اعضاء مجلس نواب الشعب الثقة للحكومة فلرئيس الجمهورية امكانية حل البرلمان.

ومن الغريب ان نلاحظ ان البحث عن فصل يعتمد لتبرير حل البرلمان قد همس به الى الرئيس بعض من أنصار سياسته ومنهم المحامي عماد بن حليمة الذي انتقد في تدوينة عبر صفحته على الفاسبوك تصريح رئيس الجمهورية اثناء اشرافه على اجتماع مجلس الامن القومي يوم 28 مارس بعدم سماح الدستور بحل البرلمان و دعاه الى الاطلاع على الفصل 77 من الدستور الذي يعطي رئيس الجمهورية حق حل البرلمان لكن غاب عن الاستاذ عماد بن حليمة ان هذا الفصل لئن يعدّد صلاحيات رئيس الجمهورية فإنّه فيما يخص مسألة حلّ البرلمان يحيل الى غيره من احكام الدستور بدليل عبارته في المطة الاولى بعد جملة « كما يتولّى حل مجلس نواب الشعب في الحالات التي ينص عليها الدستور »:

والواقع ان البحث عن صلة قرارات الرئيس بالدستور اصبحت ضربا من اللغو او هي سوق ودلال بحسب المثل الشعبي الذي لا طائل من ورائه اذ ان الرئيس يمكنه ان يبرر تصرفه بالالتجاء الى أي فصل من الدستور طالما انه لا يوجد أي فصل يسمح له بحل المجلس النيابي عدا الفصل 89 المشار اليه والذي ينص على انه «إذا مرت أربعة أشهر على تكليف الأول لشخصية بتكوين الحكومة» ولم يمنح أعضاء مجلس نواب الشعب الثقة للحكومة، لرئيس الجمهورية الحق في حلّ مجلس نواب الشعب والدعوة إلى انتخابات تشريعية جديدة في أجل أدناه خمسة وأربعون يوما وأقصاه تسعون يوما.

ان هذه السهولة في التقول على الدستور يبررها في نظرنا مجموعة من المعطيات :

– غياب محكمة دستورية يمكن ان تصدر رأيها في دستورية او عدم دستورية قرارات الرئيس.

– وجود أبواق دعاية من بعض رجال القانون الحاضرين على الدوام في المنابر الإعلامية يبررون افعال الرئيس وأقواله مهما كانت فداحتها وحتى ان اختلفوا معه أحيانا في بعض التفاصيل و الجزئيات.

– إعلام عمومي تابع ألغى كل رأي مختلف ولم يترك إلا صوت الرئيس الذي يصل الى جمهور الناس غير العارفين لا بالقانون ولا بالدستور والذي من السهل ان يبتلعوا كل شيء طالما أن كل خطب قيس سعيد توضع في غلاف من العاطفة الشعبوية التي تلعب على شعار مقاومة الفساد وتستثمر كره عامة الناس للطبقة السياسية دون تمييز وعدم نجاح الثورة في ان تحول الديمقراطية الى مكاسب اجتماعية يستفيد منها عموم الشعب مما جعلها اقرب الى الرفاه السياسي Un luxe à l’occidentale والديكور الأجوف الخالي من اية منفعة في كثير من الأحيان وفي اعتقاد كثير من التونسيين غير المعنيين عموما بمنافع الديمقراطية لعدم ارتباطها بحاجاتهم المعيشية.

-عدم وجود مقاومة حقيقة لحالة الفوضى التشريعية التي نعيشها فالمعارضة منقسمة ببعضها البعض والشارع معطل عدا بعض مظاهرات من وقت لآخر، لئن تمكنت من خلق حالة توتر دائم إلا أنها عاجزة في الواقع عن وضع حد لهذه الحالة.

(3) هل وقع الرئيس في فخ حل البرمان ؟

تعتقد كثير من الاحزاب والشخصيات الوطنية ان حل البرلمان سيفرض على رئيس الجمهورية الذهاب الى انتخابات سابقة لأوانها ( البعض يتحدث عن فخ ) غير ان قيس سعيد استغرب الحديث عن ضرورة إجراء انتخابات تشريعية في غضون ثلاثة أشهر عقب إعلانه حلّ مجلس نواب الشعب، قائلا « من يحلم بتطبيق الفصل 89 واهم وعليه أن يستفيق » وفعلا «هم واهمون لأن اجراء الانتخابات في الاجل المنصوص عليه بهذا الفصل يعني بالضرورة ان حل البرلمان لا يكون إلاّ وفق احكام الدستور و لاسيما الفصل 89 منه » حسب قراءة قيس سعيد للدستور التي لا صلة لها مرة اخرى بصريح النص الدستوري.

وقال سعيد ايضا خلال اجتماعه يوم الخميس 31 مارس 2022 برئيسة الحكومة نجلاء بودن ووزير تكنولوجيات الاتصال نزار بن ناجي «لا أعلم من أين أتوا بفتوى أنّ الانتخابات ستكون وفق الفصل 89.. ومن نصب نفسه مفتيا للديار التونسية في القانون الدستوري »، متبعا « نحن نتحدث عن الدولة واستمراريتها واستقلالها لا عن تدبير موعد الانتخابات. »

وهكذا يتصرف رئيس وحده في النص الدستوري مع العلم ان الرزنامة التي اعلن عنها الرئيس شفويا والتي حددت يوم 25 جويلية 2022 موعدا للاستفتاء على تعديل الدستور ويوم 17 ديسمبر2022 موعدا للانتخابات التشريعية تبقى مجرد وعد لا شيء يدل انه سينفذ خاصة وان التصريح الأخير للرئيس والذي نفى فيه الذهاب الى انتخابات تشريعية سابقة لأوانها سيفتح الباب امام ردود فعل لا احد يدري مداها ..فاين تسير البلاد في ظل هذه الفوضى الدستورية والقانونية.

اخيرا هل مازال بالإمكان الحديث عن« دستور للجمهورية التونسية » آم أننا أمام فرد مفرد يحكم بما يشاء وفق ما تمليه عليه ضرورات الحكم بلا رقيب ولا حسيب.

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات