هشام جعيط و بعض قصته مع نظام بن علي

من الصعب جدا وقد وصلني منذ ساعات خبر وفاة استأذنا الجليل هشام جعيط ان استحضر كل المقالات التي كتبتها وجاء ذكره فيها . كنت في سنة 2008 بالإضافة إلى تدريسي بكلية الآداب بمنوبة صحفيا متعاونا مع جريدة الموقف. في تلك السنة وهي خمسينية الجامعة طلبت مني الجريدة كتابة نص حول الموضوع. كان الاستاذ نجيب الشابي مدير الجريدة والذي كان يشرف شخصيا على اجتماع هيئة تحريرها يوم الخميس في ما اذكر مستاء جدا لان النظام بمنطق الفرز السياسي الذي كان يمارسه كرّم جامعيين لم يقدموا شيئا للجامعة واستثنى أسماء كبيرة كان أولهم وأبرزهم هشام جعيط .

قال لي نجيب الشابي يومها إذا لم تخنّى الذاكرة ان نظام بن علي نظام يقتل الذاكرة ويعاقب الذكاء ويغتال او يحاول ذلك جهد العلماء التونسيين الأجلاء ( لا يعنيني ما قاله الشابي حول بن علي بعد وفاته ). كنت بلا شك أشاطره الرأي واحمل في حماسي ويأسي من التغيير كرها شديدا لنظام بن علي ولكل من تعاونوا معه من الجامعيين ولكل وزراء التعليم العالي الذين جاء لنا بهم وأولهم لزهر بوعوني وزير التعليم العالي وقتها.

غير أني كنت افهم المنطق الجلي والواضح في تكريم نكرات جامعية واستبعاد عمالقة الفكر الجامعي .

الحقيقة أن استبعاد هشام جعيط من التكريم كان مواصلة لسياسة الإقصاء التي مورست على المؤرخ وكان من ابرز محطاتها رفض التمديد له في سن التقاعد ليواصل التدريس. كان النظام يعمد الى الاستغناء عن كل الخبرات الجامعية المرموقة مثل هشام جعيط و عبد المجيد الشرفي واحمد إبراهيم وغيرهما.

لا شك ان نظام بن علي كان يكن كرها شديدا لهؤلاء جميعا وأولهم جعيط .والحقيقة ان قصة هشام جعيط مع بن علي بدأت مبكرة جدا فبعد بضعة أيام من انقلاب السابع من نوفمبر كتب هشام جعيط مقالا شهيرا صدر في جريدة حقائق على ما اذكر. كان الرجل في غاية الحصافة وكان ينظر الى الحدث بعين الخبير الثاقبة الى المستقبل قال وقتها في ما معناه إن ما حدث لا يبشر بخير وأننا أمام تغيير هو أشبه بالانقلاب.

ورغم أننا كنا في الأيام الأولى للانقلاب على نظام بورقيبة وفي التخميرة المتفائلة التي عاشها الجميع وخاصة في المعارضة التي كانت تسمي نفسها يسارية فان نظام بن علي أحال جعيط على التحقيق. وقف الرجل فعلا في جلسة تحقيق اولى امام احد حكام التحقيق الذين كانوا ينفذون اوامر أسيادهم ولولا المساندة الكبرى التي عرفها الرجل لكانت القضية عرفت أطوارا أخرى غير ان التحقيق توقف فجأة ولا ادري مصيره هل حفظت القضية رسميا ام تركت للنسيان؟

كانت تلك بداية علاقة جفاء بين جعيط ونظام بن علي وظل الأمر على حاله الى ان جاءت الثورة.

لم يشارك جعيط كثيرا في الحياة العامة ولم ينخرط في أي نشاط سياسي كان مفكرا متعاليا عامة .. أحيانا حتى على زملائه من الأساتذة الصغار من المساعدين والأساتذة الجامعيين الذين كان يرى انهم لا يقرؤون ولا يكتبون بالقدر الكافي، بل حتى على طلبته فقد حكى لي احد طلبته انه كان يقول لهم ان أصولهم الاجتماعية لا تسمح لهم بالمعرفة الجيدة بالفرنسية والكتابة بها.

ولكنه كان معارضا بالمعنى الفكري والفلسفي العميق وكان يقول ويعتقد إن كل البؤس الفكري الذي نعشيه لا يمكن في خيبتنا أن نلقيه على غير حكامنا . كان آخر ما قال ان كل من هب ودب صار يشتغل بالسياسة في تونس… كان جعيط فوق طمع السلطة وشره النفوذ.

تلك بعض خواطر جمعتها بمناسبة وفاته في انتظار مقالات اكثر عمقا تتناول موقفه من الدين وخاصة من الدين الإسلامي في علاقته بالأديان الاخرى وهو الموضوع الذي يشغلني في كتاباته اعتقد ان هشام جعيط لا يحتاج إلى كلمات الإطراء والإشادة من أناس أحيانا لم يقرؤوا له شيئا بل يحتاج أن نخضع أعماله الى الدراسة النقدية بعيدا عن المنطق الدفاعي حضرت له مرة ندوة قال فيها انه كتب كثيرا ولكن قراءه قليلون وخاصة في تونس رحم الله المفكر هشام جعيط ولتعد له الجامعة قدره وقيمته اللذين سلبهما منه نظام الاستبداد البغيض فرفض حتى تكريمه.

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات