أمين محفوظ : عندما يصبح التحيّل على النص القانوني" صناعة " قانونية

"حبل الكذب قصير "
مثل دارج

تنصّ الفقرة الأولى من الفصل 109 من دستور سنة 2022 على انه "اذا حصل شغور في منصب رئيس الجمهورية لوفاة أو استقالة أو لعجز تام أو لأيّ سبب من الأسباب يتولى رئيس المحكمة الدستورية فورا مهام رئاسة الدولة بصفة مؤقتة لأجل أدناه خمسة و أربعين يوما و أقصاه تسعين يوما ".

وعلى اثر صدور هذا الدستور و الى يوما هذا لم ترس المحكمة الدستورية . الأمر الذي دفع جانبا هاما من الرأي العام الى التساؤل عن مصير الدولة و البلاد إذا جدّ شغور نهائي في منصب رئيس الجمهورية ؟

وفي هذا السياق يقول الأستاذ أمين محفوظ في تصريح لموقع "الكتيبة" انه يطمئن الشعب التونسي على مصير الدولة اذا حدث الشغور الذي يتخوف منه الجميع في الظروف التي تعيشها البلاد معتبرا أن الحل يوجد في الأمر الرئاسي عدد 117 لسنة 20021 المؤرخ في 22 سبتمبر 2021 بموجب الفصل 14 منه والذي ينص على انه عند شغور منصب رئيس الجمهورية بسبب الوفاة أو الاستقالة أو العجز التّام يتولى فورا رئيس الحكومة القيام بمهام رئاسة الجمهورية إلى غاية تأمين عودة السير العادي لدواليب الدولة ويؤدي اليمين الدستورية أمام مجلس الوزراء.

إذا حصل لرئيس الحكومة في نفس الوقت مانع لسبب من الأسباب المشار إليها بالفقرة السابقة يتولى وزير العدل بصفة وقتية القيام بمهام رئاسة الجمهوري.

وبرّر رأيه بأنّ الأمر117 لايزال ساري المفعول بدليل أن نصوصا كثيرة لا تزال تستند عليه واستخلص تبعا لذلك انه جزء من دستور 2022.

اذن يعتبر الأستاذ أمين محفوظ أن النص القانوني يبقى ساريا اذا وجدت بعده نصوص قانونية استندت عليه في إصدارها. لكن بالتمعن في المنهج الذي اتبعه أمين محفوظ في محاولة البرهنة على صحّة رأيه يتضح انه غير منطقي و غير سليم و يؤدي الى فوضى قانونية ودستورية.

هل دستور 2014 لا يزال ساري المفعول هو أيضا ؟

ذكر الأستاذ أمين محفوظ في تصريحه أن الأمر عدد 465 المؤرخ في 25 أوت 2024ويتعلق بتعيين أعضاء الحكومة استند على الأمر عدد 138 المؤرخ في 11 أكتوبر 2021 ويتعلق بتسمية أعضاء الحكومة الذي بدوره استند على الأمر الرئاسي عدد 117 لسنة 2021 ويتعلق بتدابير استثنائية وهو ما يفضي الى القول بسريان الأمر 117 لسريان النصوص التي استندت اليه لكنّ الأستاذ أوقف اعتباطيا سلسلة الإسناد عند هذا الأمر الرئاسي فلم يذكر أنّ الأمر الرئاسي عدد 138 لسنة 2021 المتعلق بتسمية أعضاء الحكومة مستند على دستور 2014 و خاصة على الفصل 80 ثم على الأمر الرئاسي عدد 117 لسنة 2021 الذي بدوره مستند في طالعه أوّلا على دستور 2014 وثانيا على ثلاثة أوامر رئاسية مستندة كلها على دستور 2014 وهي:

الأمر عدد 69 لسنة 2021 المؤرخ في 26 جويلية 2021 المتعلّق بإعفاء رئيس الحكومة و أعضاء الحكومة و الأمر عدد 80 لسنة 2021 المؤرخ في 29 جويلية 2021 المتعلق بتعليق اختصاصات مجلس نواب الشعب والأمر عدد 109 لسنة 2021 المؤرخ في 24 اوت 2021 المتعلق بالتمديد في التدابير الاستثنائية و بتعليق اختصاصات مجلس نواب الشعب.

وهكذا يؤدي منهج الأستاذ أمين محفوظ في الاستدلال على استمرار سريان الأمر الرئاسي عدد 117 لسنة 2021 الى نتيجة منطقية وهي العودة الى دستور 2014 لا الى دستور 2021 إذ أن النص الساري المفعول لا علم له بما يجيئ بعده بل ليس بوسعه العلم إلا بما سبقه وكان يتضمن في اطلاعاته ما يحيل عليه.

وذلك واضح في اطلاعات الأمر 117 كما يلي :

بعد الاطلاع على الدستور ( دستور 2014)، وخاصة على الفصل 80 منه،

وعلى الأمر الرئاسي عدد 109 لسنة 2021 المؤرخ في 24 أوت 2021 المتعلق بالتمديد في التدابير الاستثنائية المتعلقة بتعليق اختصاصات مجلس نواب الشعب،

وحيث نص الدستور( 2014) على أن الشعب هو صاحب السيادة كما ورد ذلك في توطئته وكما نص على ذلك الفصل الثالث منه،

بل أكثر من ذلك فأن الفقرة الأخير من الفصل 14 من الأمر 117 المتعلقة بالشغور في منصب رئاسة الجمهورية تحيل مباشرة و صراحة الى الفصل 76 من دستور 2014 التي تنص على أن رئيس الجمهورية المؤقت سواء كان رئيس الحكومة أو وزير العدل يؤدي أمام مجلس الوزراء اليمين المذكور نصّها بالفصل 76 من دستور 2014.

غير أن هذه النتيجة التي تفرضها القراءة المتأنية للنصوص لا يرضى بها أمين محفوظ و لهذا السبب نجده يتعسّف على منهجه ويتغاضى عن اطلاعات الأمر عدد117 لسنة 2021 بينما يقتضي المنطق السليم الربط الذي لا مناص منه بين هذا الأمر و دستور 2014 فكل الأوامر الرئاسية السابقة لدستور 2022 تستند الى دستور 2014 لا الى دستور 2022وقد حرص الرئيس قيس سعيد على التأكيد على أن التدابير الاستثنائية التي اتخذها في الأمر الرئاسي عدد117 لسنة 2021 هي تطبيق لدستور 2014 لذا فإنّ الأوامر التي اتخذها تطبيقا لهذا الأمر الرئاسي مسندة في طالعها أوّلا على دستور 2014 ثم ثانيا على الأمر 117 لسنة 2021 لكن الأستاذ أمين محفوظ يخفي الحقيقة.

الأمر 117 جزء من التدابير الاستثنائية والفصل 80 من دستور 2014

يغفل الأستاذ أمين محفوظ عمدا صبغة الأمر الرئاسي عدد117 لسنة 2021 الاستثنائية وهو خلافا لما صرّح به لا صلة له بدستور 2022 بل هو تفعيل لأحكام الفصل 80 من دستور 2014 التي تخوّل لرئيس الجمهورية اتخاذ التدابير التي تحتمها الحالة الاستثنائية المتمثلة في خطر داهم يهدد كيان الوطن أو أمن البلاد أو استقلالها و يتعذر معه السير العادي لدواليب الدولة و الغاية من تلك التدابير الاستثنائية عودة سير دواليب الدولة العادي.

و من بين تلك التدابير الاستثنائية التي اتخذها رئيس الجمهورية تعليق اختصاصات مجلس نواب الشعب ثم تمديد تعليقها و قد استند هذا الأمر الرئاسي على الأمر الرئاسي المعلق لاختصاصات البرلمان و على الأمر الرئاسي الممدد للتعليق فاذا حصل شغور نهائي في منصب رئيس الجمهورية أثناء سريان التدابير الاستثنائية يتولى رئيس الحكومة مهام رئاسة الجمهورية و تنحصر مهمته الأساسية في السعي الى عودة سير دواليب الدولة العادي و بما أنّ الفصل الأوّل من الأمر الرئاسي عدد117 لسنة 2021 نصّ على مواصلة تعليق اختصاصات مجلس نواب الشعب فان رئيس الحكومة القائم بمهام رئاسة الجمهورية يؤدي اليمين أمام مجلس الوزراء ومن مهام رئيس الجمهورية عملا بالفصل الرابع من الباب الثاني من الأمر 117 ممارسة السلطة التشريعية فهو يتداول في شأن النصوص ذات الصبغة التشريعية ثم تصدر في شكل مراسيم.

إن العودة الى الأمر الرئاسي عدد 117 لسنة 2021 تؤدي مباشرة الى العودة الى دستور 2014 فهو مستند على هذا الدستور لا الى العودة الى دستور 2022 فاذا اعتمدنا الإسناد الذي اعتمده الأستاذ محفوظ فان المنطق يقتضي عدم التوقف في منتصف الطريق بل يتوجب العودة الى السند الأول للامر117 و هو دستور 2014.

خلاصة القول إن الأمر 117 يرتبط كله بالأحكام الاستثنائية المتضمنة في الفصل 80 من دستور 2014 وهو ما يعني أمرا من أمرين :

أما القول بان الأمر 117 لا يزال ساري المفعول وهو ما يفضي الى القول بان النصوص التي استند عليها في اطلاعاته ومنها دستور 2014 لا تزال سارية المفعول هي أيضا وذلك ما يفضي حتما أذا أردنا وجود حل لمسالة الشغور من داخل النص الدستوري نفسه لا من خلال الأوامر أو المراسيم الى القول بان حل مسالة الشغور تعود بنا الى الفصل 84 من دستور 2014 الذي ينص على أنه :

في حالة تقديم رئيس الجمهورية استقالته كتابة إلى رئيس المحكمة الدستورية، أوفي حالة الوفاة، أو العجز الدائم، أو لأي سبب آخر من أسباب الشغور النهائي، تجتمع المحكمة الدستورية فورا، وتقر الشغور النهائي، وتبلغ ذلك إلى رئيس مجلس نواب الشعب الذي يتولى فورا مهام رئيس الجمهورية بصفة مؤقتة لأجل أدناه خمسة وأربعون يوما وأقصاه تسعون يوما.

ومن الواضح أن هذا الحل غير ممكن وذلك لسببين أولا لزوال البرلمان المنبثق عن دستور 2014 ثم لانعدام وجود محكمة دستورية وهو ما يعيدنا الى نفس المعضلة عودا على بدء.

وأما القول بان الأمر 117 لم يعد له أي وجود قانوني بانتهاء الأحكام الاستثنائية التي استند عليها وبذلك اصبح في حكم المعدوم وتوقف العمل به بشكل نهائي اثر عودة دواليب الدولة العادي بقيام دستور 2022 و بانتخاب رئيس الجمهورية و أعضاء البرلمان وقيامهم بوظائفهم الدستورية وبذلك لا يمكن لا يمكن التعويل عليه لحل مسالة الشغور.

والأمران في نظرنا محض خيال روائي ولذلك فان العودة الى الأمر 117 لحل مسألة الشغور النهائي في منصب رئيس الجمهورية هو مجرد ضجة إعلامية قائمة على ترقيع قانوني Bricolage أو الى ترف فكري . فلا نحن أمام شغور في منصب رئيس الجمهورية ولا نحن قادرون في الظروف التي تعيشها البلاد أن نجد حلا دستوريا إذا حدث هذا الشغور إلا بإرساء المحكمة الدستورية و كل أعضائها قضاة معروفون بالصفة : ثلثهم الأوّل أقدم رؤساء الدّوائر بمحكمة التّعقيب، والثّلث الثّاني أقدم رؤساء الدّوائر التّعقيبيّة أو الاستشاريّة بالمحكمة الإداريّة، والثّلث الثّالث والأخير أقدم أعضاء محكمة المحاسبات. و يسميهم رئيس الجمهورية بموجب الفصل 125 من دستور 2022 واذا لم يقع ذلك وقد لا يقع أبدا لأسباب ليس هذا مجال التوسع فيها فان البلاد مقدمة على المجهول الذي افضى بالبعض الى حديث متواتر في المدة الأخيرة عن المؤسسة العسكرية .

كل ما عدا ذلك ثرثرة رجل ساهم في الانقلاب على دستور الثورة و على مؤسسات الدولة المنتخبة بل ساهم باعترافه الصريح في كتابة الأمر 117 الذي قالت المحكمة الإفريقية رأيها فيه حيث اعتبرته في حكمها الصادر في سبتمبر 2022 غير دستوري وغير قانوني ويتعارض مع المعايير الإقليمية والدوليَّة. ودعت إلى إلغائه وإلغاء »الأوامر الَّتي تولَّد عنها.

لقد كان هذا الأمر معول خراب لكل منجزات ثورة 2011 فاذا بأمين محفوظ يخرج علينا بمعول الخراب هذا ليبحث به في ثنايا النصوص البالية عن القنديل السحري الذي ينير الطريق أمام البلاد لتخرج من المأزق الذي تردت فيه.

وحتى نغلق هذا الجدل الذي دفعنا اليه الأستاذ أمين محفوظ دفعا فلنعد الى تصريحه الإعلامي حيث ذكر بصريح العبارة ينتهي مفعول الأمر الرئاسي عدد 117 لسنة 2021 المؤرّخ في 22 سبتمبر 2021، المتعلّق بالتدابير الاستثنائية، اليوم الاثنين، مع انطلاق عمل برلمان قيس سعيّد.

وقال أستاذ القانون الدستوري، أمين محفوظ، أنّ انعقاد الجلسة العامّة الافتتاحية لمجلس نواب الشعب، “يؤدّي نهائيا إلى قبر الأمر الرئاسي . “

فمن يؤكد على نهاية التدابير الاستثنائية ويحذر من الرجوع اليها بعد الخصومة مع قيس سعيد لا يمكنه أن يدعو الى العودة اليها حتى ولو كان في حواره يعتبرها هو نفسه منتهية بحجة أن قيس سعيد لم ينه العمل بالأمر 117 وهو ما يجعله ساري المفعول. إن اعتماد نصوص قانونية بعد 2021 على الأمر 117 لا يجعله ساري المفعول بل يجعل النصوص التي استندت عليه باطلة فما بني على باطل فهو باطل ** العربي الجديد أمين محفوظ: اليوم ينتهي العمل بالمراسيم الرئاسية.. وسعيّد لا يُمكنه حلّ البرلمان متّى يُريد 13 مارس 2023

هل بعد هذا الكلام كلام يقال ؟

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات