هل نحن قادمون على الجحيم النقابي ؟

كتبت مقالا منذ أيام حول الاقتطاع من المصدر الذي تقوم به الدولة لفائدة الاتحاد العام التونسي للشغل بعنوان " لمن يريد أن يواجه الاتحاد السلطة دون مواربة " .

مع كامل الأسف فهم البعض ما قلته فهما خاطئا .

أولا : اعتبر البعض أن الإجراء "غير قانوني" وهو امر لم اقله لأنه خاطئ تماما فلا يكون الأمر غير قانوني إلا اذا كان هناك ما يمنعه دستورا أو قانونا وعلى حد علمي لا يوجد أي نص يمنع الإجراء .بل قلت انه لا يدخل في خانة الحقوق النقابية المعترف بها دوليا بواسطة الاتفاقيات الدولية التي تمضي عليها الدول طوعا ومنها الاتفاقية الدولية المتعلقة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية وتتضمن لائحة في الحقوق النقابية التي تلتزم بها الدول .

مع العلم أن اقتطاع الدولة لجهة أخرى غيرها امر معمول به ففي المانيا تقتطع الدولة مبلغا لفائدة الكنيسة بعد استمارة يملا ها المؤمن طوعا ويقبل من خلالها أن يدفع من ماله للمؤسسة الكنسية .

ثانيا : لم اقل أن الاقتطاع غير اختياري فهو طوعي فالموظف أو العامل في أي قطاع يملا حين مباشرته العمل أو بعده مطلبا يتسلمه من الاتحاد الجهوي للشغل وفيه يطلب الاقتطاع من أجرته لفائدة الاتحاد والاقتطاع لا يتجاوز الدينارين أو اقل أو اكثر شهريا مع العلم انه يمكن للعامل في القطاع الخاص أو الموظف أن يتسلم أيضا من الاتحاد الجهوي استمارة يسميها النقابيون انسلاخا أي انه يقرر إنهاء انخراطه في المنظمة النقابية ولقد طرح علينا على مستوى النقابية الأساسية على الأقل مشكل الدفاع عن غير المنخرطين اذا تعرض زميل لأية مظلمة من الوزارة وكانت الإجابة هي أن احسن طريقة لدفعه للانخراط هو أن ندافع عنه قدر المستطاع سواء داخل المؤسسة ذاتها وفي مواجهة الإدارة أو على مستوى اللجنة المتناصفة واغلب أعضائها المنتخبين هم من النقابيين اذا ما أحيل على مجلس التأديب لخطأ ارتكبه .

يقول رئيس الجمهورية في لقائه يوم امس 15 أوت 2025 مع رئيسة الحكومة " لا مجال لأن يحلّ أحد محلّ الدّولة لا في الانخراط غير الإرادي ولا في التمويل غير الطوعي".

وان كنت لا افهم معنى الانخراط في الدولة فالدولة ليست جمعية أو نقابة ليقع الانخراط فيها طوعا أو كرها لأنها مجموعة من المؤسسات المنتخبة أو غير المنتخبة والتي يقع على عاتقها حماية المواطن وتقديم الخدمات اليه من خلال تصريف الشأن العام .

أما في ما يخص "التمويل غير الطوعي" فمن الواضح أن الأمر يعني الاتحاد والاقتطاع الألي لفائدته ..والأمر هنا يحتاج الى توضيح كنا اشرنا اليه أعلاه .ليس هناك انخراط غير إرادي ولا تمويل غير طوعي لان الأمر كما ذكرنا طوعي مائة بالمائة ولا احد يجبرك أن تكون منخرطا في أي نقابة كانت ( في نظام التعددية النقابية الحقيقة وليس الزائفة كما هم الأمر في تونس ) .

من الواضح أن معركة السلطة مع الاتحاد قادمة لا محالة في ما يخص التفرغ النقابي ( انتهي أمره منذ سنوات إذ أن المتمتعين به ليسوا غير عشرات وإلغاؤه بشكل رسمي يدخل في باب الحرب على الاتحاد لا في باب تصحيح" امر شاذ " ).

ثم يأتي الدور على الاقتطاع الآلي الذي كنت ولا أزال اعتبره دائما مدخل للزبونية والفساد النقابي فقضية التصرف في أموال الاتحاد كانت دائما محل شبهة لدى كثير من النقابيين وغيرهم دون حجة تسند الشبهة . غير أن الاتحاد وهو يتمتع بالتمويل العمومي بواسطة التفرغ النقابي وهو عبارة عن مساهمة الدولة في تأجير النقابيين لم يقبل أبدا أن يطلع أحدا أيا كان على حساباته المالية رغم انه من حق أي مواطن أن يطلب النفاذ الى المعلومة في ما يخص ميزانية الاتحاد والتصرف فيها باعتبار انطباق الفصلين الأول والثاني من قانون الهيئة عليه . والنفاذ الى المعلومة حق يتمتع به كل مواطن أي كل دافع ضرائب في ما يخص كل الجهات التي تتمتع بتمويل عمومي أيا كان شكله .وحتى القضية التي رفعها عماد الدايمي الى الهيئة الوطنية للنفاد الى المعلومة للاطلاع على حسابات الاتحاد لم تجد طريقها الى التنفيذ .

نحن اليوم أمام تحد تاريخي ربما يعني نهاية النقابة نصف المتعاونة فإما نقابة مناضلة تحمل هموم العمال وتتبنى قضايا العدل والحرية وتواجه السلطة دون خوف ولا حسابات سياسية أو نقابة موالية تماما للسلطة منخرطة في سياستها تتحكم السلطة في تركيبتها وفي مواقفها بشكل تام كما هو الأمر في كثير من النقابات في العالم العربي فهي فرع من فروع السلطة أو الحزب الحاكم لا اكثر ولا اقل .

ربما نكون سائرين نحو سيناريو كارثي و اخطر ما فيه ليس إنهاء العمل بالإلحاق أو الاقتطاع وإنما سيناريو اخطر وهو ذو ثلاث زوايا.

أولا : نهاية المفاوضات الثلاثية في الزيادة في الأجور التي ربما ستكون في المستقبل بأمر رئاسي ودون مفاوضات.

ثانيا : محاولة اختراق الاتحاد من الداخل لتصعيد مكتب تنفيذي موال للسلطة بعد أن يصبح الوجود داخله عنوان معارضة خطرة لا يقدرها عليها غير المناضلين الحقيقيين وليس عنوان مكان للركشة والتمعش.

ثالثا : محاسبة القيادة الحالية بملفات صحيحة أو مفبركة .

هناك تلويح بالإضراب العام… الآن لم يعد الأمر يحتمل التهديد فإما المواجهة بوجه مكشوف أو نهاية رجال لم يكونوا أبدا شجعانا رغم حكاية " رانا معاركية وما فينا ما يتفصل " الشهيرة.

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات