الثابت في كل المجتمعات أن الشعب عندما يختار بشكل سيء قادته يدفع الثمن من لحمه الحيّ ومن كرامته و حتى من وجوده، والشعوب العربية منحت الاختيار اكثر من مرة ولكن أساءت دائما الخيار..
بعد رحيل أبو عمار ترشّح البرغوثي لمنصب رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية، منافسا لمحمود عباس، وفشل في نيل ثقة الفلسطينيين..
ورغم ذلك لم يتراجع بل بقي يؤمن بفكرة أن الوحدة الفلسطينية ضرورة مؤسسة في مسار تحطيم قيود الاحتلال، كما ظلّ يؤمن الى اليوم بأهمية الديمقراطية في النهوض بالوعي العربي تماما كأهمية الفعل المقاوم في تحطيم الأسوار ..
في الداخل الفلسطيني سعي البرغوثي بكل جهده لإدارة الاختلاف بين الخط المقاوم والخط التفاوضي الابدي الذي فرض على منظمة التحرير منذ أوسلو.. إدارة الاختلاف انتهت بتشكيل حكومة الوحدة الوطنية بقيادة هنية والتي عيّن فيها مصطفى البرغوثي وزيرا للإعلام.. لكن مرة أخري مؤيدي مسار التفاوض الأبدي والقبول بفتات الحق نجحوا في تفجير منطق إدارة الاختلاف من الداخل .
ورغم ذلك لم يتراجع مصطفى البرغوثي وبعد الطوفان تصرّف كما يليق بشخصية اعتبارية في وطن محتل أن تفعل ، لم يخذل أبناء شعبه في غزة، ولم يغضّ الطرف عن مجازر الاحتلال ولم يلعن الرجال مدّعيا جلبهم للدمار.. بل تصرّف كما يليق بمناضل في وطن محتل وحوّل قضية القطاع الى قضية شخصية يدافع عنها باستماتة وبكل ما يملك من قوة، مستغلا حضوره الإعلامي المؤثّر وثقافته الواسعة والمامه السياسي ليدافع عن المظلومين..
وعاد العالم من جديد ليكتشف الدكتور مصطفى البرغوثي في نسخة جديدة تذكّر بنسخ قديمة لشخصيات فلسطينية فذّة لها من المعرفة والفصاحة وقوة الحجة ما يجعلها تقنع اشد المناوئين لها دون ثرثرة ولا تشنّج بل بهدوء شديد ولباقة لافتة!
مصطفي البرغوثي الحاصل على شهادة في الطب وفي الفلسفة وشهادة ماجستير في الإدارة والذي نهل معارفه من جامعات موسكو و الولايات المتحدة الأمريكية والناشط بقوة قبل الحرب في برامج الإغاثة والدعم للشعب الفلسطيني المحتل يبدو وجوده اليوم مطمئنا لشعب نصفه يُباد ونصفه الأخر يُنكّل به يوميا.. وهو الذي لم يغادر حدود الأرض المحتلة ولم يختر العيش بسلام في إحدى الدول الغربية أو العربية بل خيّر ان يبقى في رام الله حيث ما زالت رائحة الوطن طازجة كما خُلقت ..
وقد يكون مصطفى البرغوثي كما كان مريد البرغوثي يرى رام الله كما رآها مريد في كتابه العظيم "رأت رام الله"
عظيمة تلك العائلة.. عائلة البرغوثي.. كل فرد منها يكتب قصة ملهمة وبأسلوبه عن وطن كان وسيبقى اسمه فلسطين.