زيارة بُرمجت على عجل حسب ما تسرّب الى الصحافة الإيطالية، في توقيت له سياقاته ودلالاته الإقليمية والدولية..
تأتي بعد قمة رجال الأعمال(جزائر - إيطاليا) في روما ولقاء تبون بميلوني وزيارة المبعوث الأمريكي الى تونس في جولته المغاربية وتقرير مسعد بولس الذي من المتوقع أن يكون قدّمه لترامب وهو الذي أتى بخطة "الكشّاف" الذي يريد أن يعاين عن قرب المواقف والرؤى وحتى طبيعة الأشخاص الذين ستتعامل معهم الولايات المتحدة الأمريكية في الأيام القادمة .. بعد أن قرّر ترامب أن تكون المنطقة المغاربية ضمن الاهتمامات الأمريكية المباشرة.
اعتقد أن الأمر في الكواليس اعمق من "خطة ماتي" وأهداف ميلوني في إفريقيا و رؤيتها لطبيعة العلاقة.. فهذا نظريا قد حُسم مع تونس بشكل واضح منذ البداية و في تلك الاتفاقية الغامضة ..
في وضع تُمنع فيه الصحافة الوطنية من حق السؤال ويطبّق قانون الصمت بصرامة.. يكون إحساس من ما زال يؤمن بدور هذه المهنة كمن يتنفّس في كيس مغلق ويختنق بأفكاره.. فالمنع مستترّ بلغ حتى المجاهرة بالتخمينات والتوقعات والقراءات الصحيحة وغير المهادنة بالنظر للخطط الجديدة الأمريكية والأوروبية التي تقودها ميلوني بالأساس في المنطقة..
لن تكون هناك أبدا قراءات موضوعية وعميقة لما يجري ونحن طرفا فيه.. سيقتصر الأمر على تعليقات سخيفة من بعض الأبواق لا غير! لأننا لا نملك المعلومة ولأن التخمين ليس بالضرورة هو الحقيقة..
والاهم الغياب شبه الكلي لبلاتوهات ولمنابر إعلامية قادرة على إثارة نقاش جدّي حول ما يحدث بالفعل في هذا التوقيت بالذات.. خاصة وان الأمر حسب رأيي أشبه بانعطاف كبير في تاريخ المنطقة المغاربية وعلاقاتها الخارجية..
فلا ترامب ولا ميلوني يهتمّان حقيقة بالوضع الداخلي في المغرب العربي.. بالعكس أرى أن البروفايلات الموجودة مناسبة جدا للتعامل.. لكن القادة المُتعامل معهم مواقفهم الخارجية هي التي ستحدّد شكل التعامل معاهَم.. وكذلك مدى قبولهم لبعض الخطط والأفكار في المنطقة.. وهنا تماما نقطة الالتقاء التي يجب الاتفاق عليها بين الطليان والأمريكان..
فالموسيلينة الصغيرة تريد أن تكون حليفة جيدا لترامب في حوض المتوسط ولكنها لن تقبل بسهولة أن يشفط ترامب لنفسه ما تعبت في تهيئته كل المدة الماضية وما خططت له جيدا.. بدء من الهجرة وصولا الي جني الثمار!
لا ننسى أن الفكرة التي يتبناها ترامب في إفريقيا هي الاستقرار مقابل الاستثمار والتنمية مع الخروج التدريجي من فكرة المساعدات الإنسانية والتوجّه الي الاستغلال الجيدّ لمقدرات الشعوب الإفريقية.. ومن هنا تحديدا يتبنى ترامب فكرة المصالحات الوطنية من خلال تنفيذ شعار " السلام عبر القوة" أو السلام بالقوة.. شعار الجمهوريين القديم والشهير الذي وُلد مع رونالد ريغن.. ويحييه ترامب اليوم "كإرث ديبلوماسي" في السياسة الخارجية للولايات المتحدة !
تقريبا نفس خطة ميلوني للهجرة..
التنمية و تجذير المهاجرين المحتملين في بيئتهم للحدّ من تدفقات الهجرة.. ميلوني التي صوّرت نفسها في بداية صعودها في صورة صديقة الشعوب إفريقيا المنهوبة وانها ضدّ فكرة نهبها واستغلالها بل بنت سرديتها السياسية في الطريق إلى الحكم على مهاجمة بعض الدول الأوروبية التي نهبت إفريقيا وعلى رأسها فرنسا الماكرونية..
حتى السخرية في مواقف مشابهة تصبح مؤلمة..
أن تعيش في بلد وفي زمن تتغيّر فيه الوقائع و الخطط كل ثانية وأنت لا تعلم ماذا يجري على بعد امتار منك هذه مأساة لمن يشعر !