غازي الشواشي.. من كان حرّا سيبقى حرّا حتى في زنزانته!

عندما قابلته للمرّة الأولى بشكل مباشر ،اعترف اني لم أكن مرتاحة ابدا في ذلك اللقاء، قابلته بصفته وزير سابق لأملاك الدولة و الشؤون العقارية ،كنت اشتغل على الملف الفضيحة للدولة التونسية.. ملف عبد المجيد بودن الذي نجح في اقتلاع تعويض من هيئة بن سدرين بآلاف المليارات بسبب قضية البنك التونسي-الفرنسي.. موش موضوعنا اما اكيد باش نرجع نحكي عليه الملف يوما ما!

في ذلك اللقاء كان غازي الشواشي دقيقا في الموعد الذي اتفقنا عليه.. وانا احترم جدا من يحترم الوقت و المواعيد.. حاول أن يتحدث بكل مسؤولية ومن موقعها السابق كرجل دولة.. كصحافية تبحث عن التفاصيل لم يرضيني أسلوبه ولكن كإنسانة احترمت جديته وشعوره بالمسؤولية تجاه الدولة، وتحفظّه حتى بعد مغادرته منصبه..

انتهينا من سبب اللقاء وتبادلنا بعض الآراء بشأن قضايا مختلفة.. أحببت صراحته وتحرّره من لوثة الأيديولوجيا وبعد نظره.. كان في ذلك استشرافيا بامتياز وهو يحدثني في ذروة الأزمة السياسية في 2020 ان سنوات استنزاف بانتظارنا!

قبل ذلك اللقاء وبعده.. تحدثنا مرات كثيرة بالهاتف.. كانت دائما مكالمات في إطار العمل.. لكنه في كل ذلك كان من السياسيين القلائل الذين احب الاستماع الي ارائهم ومواقفهم..

كان غازي الشواشي مختلفا.. يتحدث بصراحة ولا يتلاعب بالكلمات ولا يناور في اجاباته. و لم يكن ديبلوماسيا.. ولكنه كان لبقا ومحاورا جيدا.. ما يعملش البوز.. أما يحافظ على صورة محترمة للنخبة السياسية..

بعد تخليه عن أمانة التيار الديمقراطي من أجل مبادرته السياسية مع سي محمد الحامدي ومجموعة من السياسيين، تحدثنا حول المبادرة في حوار لجريدة الصباح.. كان متحمّسا وحريصا على أن تكون شخصيات المبادرة بعيدة عن كل شبهة، متحررة حزبيا وتتعامل مع السياسية بشكل براغماتي لا يقفز على الواقع واكراهاته..

من تفاصيل مبادرته التي ما زالت احتفظ بها في ذهني وتنم عن ذكاء وحكمة وجدّية في التعامل مع المشهد السياسي، التفكير في ضرورة وجود لجنة قانونية في إطار المبادرة تكون مهمتها إيجاد مخرج دستوري يوائم بين دستور 2014 ودستور 2022 المنشور الرائد الرسمي.. كان غازي الشواشي منشغلا وملتزما بضرورة احترام القوانين السارية ومنطق استمرارية الدولة و احداث انتقال دستوري سلس قبل البحث عن الانتخابات وانتقال السلطة .. كان يرى انه قانونيا ليس من السهل الذهاب إلى انتخابات مبكرة في غياب مخرج دستوري وقانوني..

كان من حق غازي الشواشي ان يعارض.. ان يرفض.. ان يرى في الرئيس انه شخص غير مناسب لقيادة الدولة.. كان من حق غازي الشواشي ان يقول لا.. وان لا يهتف مع المفسرين.. بل كان واجبه ودوره ان يطرح على الشعب أفكار جديدة.. قد لا تناسب قيس سعيد.. فالرئيس انتخبه فقط جزء من الشعب وهو ليس وصيّا على البقية ليرى في من يعارضه.. متآمرا !!!!!!!

عندما تم القبض على غازي الشواشي بتهمة التآمر.. قلت في نفسي "يا الاهي.. نحن انتهينا إلى ذروة الملهاة".. لم أعرف وقتها هل اضحك ام ابكي وطنا توحش لدرجة أن يدوس على رجاله المحترمين في حين يلهو الأوغاد في كل مكان..

أشهر مضت ولم تقنعنا السلطة برواية التآمر.. أشهر مضت وغازي الشواشي حرّ في زنزانته.. واثقة سي غازي انك لن تهدر وقتا هناك وانك تفكر في تحويرات جذرية على مبادرتك.. ربما تجربتك القاسية نوعا ما جعلتك تنتبه لبعض التفاصيل التي اهملتها .. تلتقطها بذكائك الحاد كعادتك..

اعرف ان منظمات و أحزاب وشخصيات كنت مدافعا شرسا عنها، خذلتك وخذلت قضيتك.. ولكن اعلم انك رجلا لا تنشغل بالأحقاد ابدا بل ما يهمك هو مشروعا وطنيا يجتمع حوله الجميع ويضع تونس على أرض صلبة وليست على رمال متحركة ككل مرة.

ستكون بخير.. انت صلب بما يكفي لتكون بخير.. لتواصل مسيرة سياسي شجاع لم يطمر رأسه في التراب خائفا من ضجيج الريح.. لست متآمرا ولن تكون.. فقط انت أحببت هذا الوطن بشكل مختلف أو ربما بجرعة زائدة.

كن بخير وانتظر منك افكار جديدة تؤكد ان العقل السياسي التونسي لم يكن يوما تافه ولا عقيما.. بل كانت هناك دائما أصابع زرقاء تذهب إلى المكان الخطأ !

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات