الى الأستاذ العياشي الهمامي : عمت مساء يا "شقيق النرجس" ..

أخبرتني نجوى منذ أيام انك تحب زهر النرجس ولم استغرب ذلك في الحقيقة.. فانت تملك حكمة النرجس، لطيف كالنرجس، عنيد وقوّي مثله و تفرض الربيع في ذروة الشتاء، كالنرجس أنت سي العياشي له فلسفته الخاصة في التعبير عن نفسه بهدوء ودون ضجيج ولا يحتاج لورق هدايا ليثّمن ولا لتربة خاصة، لأنه ابن الأرض وابن السفوح الصخرية و قصة وجوده بطبعها قصة كفاح وتحدّي، ولذلك النرجس لم يكن أبدا زينة بل للموقف و العمق!

كيف حالك يا أستاذ.. كيف حال الحرّية معاك.. رفيقة زنزانة جيدة أليس كذلك، نفتقدها نحن السجناء هنا وقد ضاقت بنا السماء واصبح الهواء ثقيلا، أما أنت فحريتك في قلبك وضميرك ولا أحد يستطيع ان ينتزعها منك مهما كانت الأسوار عالية والزنازين باردة!!

أتعلم، أدركت الآن أننا لم نلتق كثيرا.. مرّات عابرة.. ولم أخبرك قطْ انك كنت من أكثر الشخصيات التي كنت أتابعها بانتباه منذ ما قبل الثوة ..كان يعجبني دائما هدوئك وقدرتك على التحكم في انفعالاتك في أشد المواقف غضبا وتشنّجا.. الشخصيات الهادئة دائما هي الأكثر صلابة وقدرة على التحمّل وأصحابها من طويلي النفس.. ولا يستنزفون بسهولة.. لأنهم يعرفون جيدا ما يريدون ولا شيء يقنعهم بالتراجع!

كنت أراك إنسانا متسامحا وغير حاقد أبدا.. ولكن في اللحظات التي تقتضي مواقف و خيارات.. لا تقف على الحياد أبدا . تختار بشجاعة لافتة مكانك المناسب تماما..

وطالما كنت بالنسبة لي، رجلا يأتي من زمن الثورة المغدورة و النضال الذي لوثته لاحقا النكرات.. لم تكن تحب الظهور ولا الأضواء و لم تسع الى المناصب ولكن عندما تكون موجودا في مكان، ينتظر الجميع ان يسمع رأيك، فلا يمكن تجاوز موضوع لم تقل فيه كلمتك بعد..

أتعلم أكثر موقف معك بقي راسخا في ذهني الى اليوم كان في 2022 , يوم أوقفت الحكومة اربع مؤسسات إعلامية بصحفييها موقف ذلّ على أسوار القصبة ونحن نصرخ مطالبين بحقوقنا.

كنّا ننتظر أن يتوصل الفريق المفاوض إلى حلّ مع الوزير الذي كلفته حكومة بودن بالتفاوض خوفا من فضيحة وقتها ثم نقضت اتفاقها بعد ذلك ..كنت مستغرقة في محادثة ما.. عندما رفعت رأسي رأيتك قادما من بعيد.. وبنفس الخطوات الواثقة والابتسامة الخفيفة.. أتي العياشي لإسنادنا ولم يأت أحد غيره.. ولكن العياشي يأتي دائما في موعده وفي الوقت المناسب وعند الحاجة.. فمنذ عرفته لم يتخلف عن قضية عادلة.. ولا أحد غيره يفعل ذلك..

فانت الذي كنت دائما حيث كان الناس .. حيث كان الظلم.. وصرخات من لا صوت لهم.. حيث العتمة بعيدا عن الأضواء تنتشل الحق من بطش الظالمين..

في مسيرتك لم اتفق معك في بعض المواقف بل واستغربت تقديرك لبعض الأمور..

لكن عندما أتذكر كيف منعتك الثعالب أن تكون في المحكمة الدستورية .. في سياق معارك الضباع و الأحزاب بودورو والابن البيولوجي والابن الروحي وجريمة عدم تركيز تلك المحكمة التي اشترك فيها الكثير من المتباكين اليوم وانتهت الى هذه التراجيديا .. أشعر بالغثيان و الرغبة في لعنهم عن بكرة أبيه!

لا اعرف كيف اختم هذه التدوينة فأنا لم أخطط لكتابتها، فجأة شعرت اني أريد أن أحرّر تلك الأفكار التي كانت تضجّ في رأسي منذ اعتقالك، فلم اجد افضل من الكتابة، والكتابة تنصف دائما أصحاب التاريخ الناصع.. ومن غيرك يملك ذلك التاريخ.. ومن غيرك يملك نقاء بتلات النرجس وقوة جذوره وقوته على تحمّل مغامرة الأزهار تحت الغيوم وفي عمق الضباب ! ومن غيرك تزهر معه الحرية!

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات