بالنسبة لنجيب الشابي : هذا الرجل لا يمكن أبدا أن يقيّمه جاهل بالتاريخ و جبان…

الصفحة الرسمية للقناة "الغوبلزية" التي تقود جوقة إعلام البروباغندا البذيء والفاشل حتى في ممارسة الدعاية على أصولها والدفاع عن النظام بشكل لائق ، مع خبر إيقاف نجيب الشابي، حبّت تتثعلب، نشرت صورته مع الغنوشي و بصفتة رئيس جبهة الخلاص وليس كمناضل، و ما جبهة الخلاص الا فاصل من فواصل كثيرة في مسيرة نجيب الشابي السياسية...

أن يكون نجيب الشابي رئيس جبهة الخلاص فذلك خيار لا ينكره ولا يشينه او يدينه ، ومن حق أي كان ان ينقده كذلك، لكن انتشاء "الحالة الرعاعية" بتحويل ذلك الى "وصم" فتلك هي ضحالة اللحظة و المعنى معا، في النهاية نجيب الشابي وغيره من مكوّنات جبهة الخلاص لم يحملوا السلاح ضدّ الدولة ولم يخلّوا بالأمن العام، فقط مارسوا أكثر أمر طبيعي في السياسة وهو معارضة النظام القائم!

ولكن "الغبالزة " يريدون إحياء فكرة الخصم الأوحد الذي يسهل وصمه في المزاج الشعبي وهو حركة النهضة (باعتبارها قلب جبهة الخلاص) التي يضع النظام نفسه دائما في حالة تباين ورفض لها ليبرّر وجوده.. لأنه أسس نفسه، منذ البداية، على فكرة الإلغاء والهدم وليس التعايش الديمقراطي الذي يضمن النزاهة والتنافس وحتى المحاسبة والمحاكمة العادلة.

اختيار صورة لنجيب الشابي مع الغنوشي، رغم ان الخبر يتعلق بالشابي و لا علاقة للغنوشي به وبالتالي لا مبرّر لوجود صورته أصلا في الخبر من الناحية المهنية، فذلك طبعا يهدف الى محاولة التحكّم في اي شعور عفوي بالتعاطف مع الشابي من خلال تذكير الجمهور انه مدّ يده للغنوشي.. وان الغنوشي هو "الشرّ المطلق" الذي يجب دائما النفخ في صورته حتى يكون وجوده مبرّرا لكل الجرائم وحتى تنطلي فكرة "المخلّص" على الاتباع السذّج!!

لكن نحن اليوم نعلم علم اليقين من هو الشرّ المطلق..

وان أخطأ الغنوشي .. وان فشل في التصرّف في مناخ ثوري مُنح له على طبق من ذهب وأفشل بالاشتراك مع فاشلين آخرين الانتقال في حالته التونسية .. ففي النهاية سيبقى شخصية إشكالية تختلف حولها التقييمات، يمكن أن تكرهها بعمق.. كما يمكن أن تثير إعجابك في لحظة.. تعافها وتنصرف عنها ثم تعود لتخلق في ذهنك الأسئلة.. وعموما هذه التدوينة ليست لتقييم الغنوشي الذي نقدناه بشكل لاذع وهو في ذروة قوته عندما كان البعض من حاملي أكياس الحنطة اليوم يلعقون حذاءه ويطلبون ودّه ..

لكن نحن ما زالنا نقف على يسار كل سلطة وأي سلطة مهما كانت ومهما ستكون.. و نتمسّك بدورنا في نقدها وهي في أوج قوتها.. ولن نكتفي بوضع كشخة سمايل بلهاء في ضعفها..

و ما زالنا ندافع عن حق الجميع، و عن حقّ الغنوشي و عن حق كل السياسيين في الحرية وفي العدالة وفي المعارضة.. ندافع عن قيم الديمقراطية والحق في مواطنة كاملة..

و الأهمّ ندافع على فكرة " هزم الخصم السياسي " بالديمقراطية وليس بدبابة ! وهذا ليس منّة منّا بل واجب أخلاقي لمهنة خُلقت لمناصرة الحرية لا لتهليل للظلم والاستبداد !

فحسابات السياسة تتم تصفيتها في صناديق الاقتراع وليس بالأغلال والزنازين الباردة.. وعموما قل عن الغنوشي ما شئت ولكنه في النهاية عندما امسك بالسلطة ، احترم اللعبة الديمقراطية و ترك مساحات الحرية شاسعة.. وكان يُشتم صباحا، مساء.. دون أن يخاف شاتمه .. ومن هنا يكتب التاريخ قصّته !

أما بالنسبة لنجيب الشابي، فهو حرفيا التاريخ.. الذاكرة السياسية لبلد لم يحترم شعبه يوما لا التاريخ ولا الذاكرة..

ومن يشمت اليوم أو يضع ذلك السمايل ذو الابتسامة البلهاء على خبر إيقافه، هو من يستحق التعاطف والمواساة في محنة غباءه..

فالرجل الذي أدرك ثورة الطلبة أواخر الستينات وما ادراك ما ثورة الطلبة التي هزّت العالم وقتها.. و الرجل الذي كان شريكا في حلم "العامل التونسي" التي نهلت من الأفكار الماوية والتروتسكية وصنعت الفارق الفكري مع بقية تشكيلات اليسار المتخلفة، نجيب الذي كان "شاهد عصر" على كل محطات التاريخ الكبري في البلاد من أزمات الثمانينات الي الميثاق الوطني ثم عذابات التسعينات و مرورا بأحداث الحوض المنجمي وصولا الى زمن الحرية وخذلانه السياسي الكبير كنجيب الشابي والتنكّر لنضاله..

وعودته بعد 25 جويلية ليدافع وهو شيخ على حلم الشباب "الحق في الديمقراطية ومواطنة كاملة" وكأن الزمن لم يتقدّم به و بنا منذ الستينات.. أتخمته السياسة وأثخنته أيضا، فشل ونجح وابهر و أساء التقدير و خُذل وصمد و غاب وعاد و لمع وأنطفأ و طار ووقع و عاش كل ما يحلم أي سياسي أن يعيشه!

وعليه هذا الرجل لا يمكن أبدا أن يقيّمه جاهل بالتاريخ و جبان يختفي خلف بروفايل مغلق أو روبوت تحرّكه غرفة ما، ولا بوق من الأبواق لم ينه حتى دراسته الجامعية وبعضهم لم يضع قدمه في الجامعة أصلا واكتفي بدروس محو الأمية ولكن رغم ذلك ما زال يفتح تاء المعاناة .

نعم الناس مقامات.. والأمر لا علاقة له هنا لا بالغرور ولا بالتطاوس.. المقام تصنعه قصة حياة وتجارب و معرفة وثقافة ولا تصنعه مجرّد شهادة والا شهرية مڨحولة !

و قطعا القامات لا تقيّم من الرعاع في كل الأحوال!

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات