اعتقد أن الاحتفاء الكبير الذي حظي به ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، لم يحظى به أي زعيم أو حاكم غيره عند زيارته البيت الأبيض منذ عودة ترامب اليه .. ترامب الذي بالغ في الترحيب بضيفه وعامله كصديق وقائد لقوّة عظمى ولم يكتف بتلك البروتوكولات الباردة والابتسامات المصطنعة امام الكاميرا بل جعل من لحظة استقباله حدثا تاريخيا..
وترامب، "تاجر شنطة" شاطر، اذا رأيته يبالغ في الاهتمام او الاحترام، فأعلم انه يمسك بالقلم في يده وجاهز لتوقيع الصفقة.. والصفقة ليست الا F35 الذي أعلن ترامب بشكل غير متوقع انه سيبيعها للمملكة السعودية..
أرادها أردوغان ولم يظفر بها على صداقته المزعومة مع ترامب..
وعمل الكيان كل ما في وسعه ليجعلها حكرا عليه منذ حصل عليها في 2016، فوحدها F35 كانت تمنحه الإحساس بالتفوّق في ذلك الإقليم الساخن من العالم والمفتوح كل يوم على حرب جديدة.. الشرق الأوسط الذي يرغب الكيان المنبوذ أن يبقى فيه دائما "المسخ الشرير" الذي يخاف منه الجميع!
ولكن ترامب في طريق عودته المريرة الى البيت الأبيض أعاد كل الحسابات في ذهنه وقلب المعادلات وأراد أن يأخذ السياسية الخارجية الأمريكية في مسارات جديدة لم تجرّب من قبل من طرف أسلافه..
نظر شزرا الي الأوروبيين وتجاهلهم قبل أن يجلسهم أمامه كالأطفال في مكتبه البيضاوي وهو يمسك بالجزرة الأوكرانية ملوّحا بسلام لن يأتي..
كان منذ البداية يدرك أن أوروبا المفلسة لن تفيده في شيء بعد أن زادت الحرب الأوكرانية في إثخانها.. وان " تنانين شرق آسيا" لن تعطي له شيئا دون مقابل.. أما إفريقيا فتحتاج كشّاف مناجم ذهب ولم يحن وقتها بعد.. لكن هناك في الشرق يوجد ما يثير حماس التاجر ترامب ويجعل والأدرينالين يتدفّق بقوة في عروقه !!
هناك المال و الفرص الاستثمارية والإذعان!!
مقابل بعض التوقير والتبجيل والاحترام..
لا بأس من ذلك يقول ترامب بائع العبارات الجذّابة في اللقاءات الرسمية..
في زيارة ترامب الى السعودية في ماي الماضي، كان يكفي ليقول "انه معجب جدا بولي العهد وانه حكيم للغاية وسابق لسنّه" حتي ارتفعت بجرّة قلم الاستثمارات السعودية في الولايات المتحدة الأمريكية من 600 مليار دولار الي تريليون دولار!
رغم أن ترامب ذاته قبل سنوات قليلة هدّد ولي العهد بشكل مباشر بسبب قضية خاشقجي وقال له علنا "نحن من يبقيك على العرش ".. كانت فترة عصيبة تلك الفترة على العرش السعودي وعلى الأمير الشاب الذي شعر بالرعب وهو يوشك أن يخسر علاقته مع الولايات المتحدة.. ولكن الأسرة المالكة في السعودية عرفت كيف تمتصّ ضربة خاشقجي القاصمة وتحتوي الجريمة و تخرج من قوقعتها طلبا لدور أهم في العالم..
المال موجود بشكل يفوق الخيال ولكن المال دون حظوة ونفوذ دولي لا معنى له.. والأمير الشاب يريد الاهتمام والتقدير والتوقير.. ملّت المملكة أن تدفع المال فقط من اجل أن تُعامل بلطف.. تريد أن تُعامل باحترام وحظوة وان تكون لها كلمتها في بعض القضايا.. وقد سمح لها ترامب بذلك..
وكانت القمة الأمريكية-الروسية الأولى في الرياض برعاية المملكة حدثا على درب الزعامة الدولية..وتلك الخطوة أعقبتها خطوات ابرزها، تبني مشروع حل الدولتين في الأمم المتحدة مع فرنسا الخ..
وماذا تريد السعودية غير الحظوة.. وترامب يمنحها لها بكل سخاء، مقابل خططه للشرق الأوسط.. إحداث توازن F35 مع الكيان المجرم الذي بدأ تمرّده يزعج حتى الجمهوريين .. تطويق ايران بأحكام ومنح زعامة العالم الإسلامي حكرا للسعودية مع سحب أي عناوين أخرى للإسلام قد تثير حماس الجمهور تحت تأثير فعل المقاومة مثلا.. والاهم جعل مصانع تصنيع الأسلحة في أمريكا، بشركاتها العملاقة التي تسند الاقتصاد الأمريكي، سعيدة !
واي سعادة تضاهي صفقة بيع مقاتلات F35، يبلغ سعر الواحدة منها 170 مليون دولار!
صفقة تجعل السعودية من الدول القليلة في العالم التي تملك مقاتلة الجيل الخامس الذهبية و فخر الصناعة العسكرية الأمريكية.. تلك المقاتلة قادرة على اختراق أقوى الدفاعات الجوية دون أن تُكتشف وتستطيع تعطيل الرادارات، وإعماء أنظمة الدفاع الجوي والتشويش على الاتصالات بقدرة تفوق غيرها من الطائرات الشبحية !
ففي كل تفصيل في هذه المقاتلة فرادة لافتة، حتى أن خوذة الطيار في ال F-35 وحدها حكاية.. حيث تُعتبر واحدة من أعظم الابتكارات التكنولوجية في مجال الطيران العسكري، وتقدّر قيمتها بحوالي 400 ألف دولار حتى أن عملية تجهيز الخوذة لوحدها، تتطلب يومين كاملين من العمل المتواصل، بما يجعل الطيار لاحقا يسيطر تقنيا على الأرض والسماء معا!.
سيعود بن سلمان ب F35 وكأنه اقتنى قطعة أثرية ثمينة أو جوهرة نادرة للتباهي .. ولن يفعل بها شيء.. وسيواصل ترامب المراهنة على الخليجيين، والمبالغة في إظهار ودّه لهم، و ستبقى هذه السنوات انعطافة لافتة في مسارات تاريخية شتّى لن ندرك تأثيراتها المباشرة إلا بعد سنوات وسنوات من الآن!