هذه "غريتا تونبرغ"..

الناشطة البيئية المعروفة دوليا و الوجه الأبرز اليوم في أسطول الصمود العالمي الذي يشقّ البحر بثبات في اتجاه غزة..

تلك الفتاة السويدية التي لم تتجاوز 22 عاما والتي تعاني من متلازمة "أسبرغر" syndrome d'Asperger وهي نوع من اضطرابات طيف التوحّد حيث يعاني اصحابها من صعوبة التواصل والتفاعل الاجتماعي.. استطاعت في الماضي أن تواجه حكومات العالم وكان اسمها حاضرا باستياء كبير في خطابات الزعماء والقادة بما في ذلك ترامب وبوتين !

واليوم تواجه الكيان المجرم من أجل غزة..

بصوت عالي تصرخ "غريتا" في وجه ما تسميه "بالتواطؤ العالمي في الابادة".. لا تجامل ولا تستثني أحدا..

تعلن عن غضبها بقوة و تستميت في الدفاع عن أفكارها وتجاهر بالعداء لكل ما هو غير إنساني، وهي في عمر 15 سنة واجهت حكومات العالم من أجل المناخ وأحدثت ثورة في المدارس الأوروبية ضدّ ما تفعله الدول المصنّعة وضدّ كارثة الاحتباس الحراري..

وهاهي اليوم تواجه حكومات العالم من اجل حق غزّة في الحياة..

عندما أبحرت في المرة الأولى على متن سفينة "مادلين" كانت "غريتا" مصرّة على الوصول و لكن الرحلة انتهت على بعد 185 كلم فقط من غزة.. لو كانت المسافة اقرب ربما أكملت "غريتا" الرحلة سباحة.. فتلك الفتاة التي تندفع ككرة النار الى ما تريد لا شيء يوقفها.. حتى ان وزير دفاع الكيان المحتلّ خاطبها مباشرة في رحلة السفينة "مادلين" قائلا :

"أوعزت للجيش بمنع السفينة بأي وسيلة…وأقول ل" غريتا تونبرغ " عودي من حيث أتيت.. لن تصلي إلى غزة."!

لكن "غريتا" لا تستسلم أبدا.. هاهي بعد أسابيع قليلة تعيد المحاولة مرّة أخرى وتبحر باتجاه غزة.. لن أتوقّف سأبقى أحاول أن أصل.. وسأفعلها يوما ما.. تقول غريتا!

وقد تفعل.. فتلك الفتاة السويدية ذات الحجم الصغير والنظرة الثاقبة والملامح الصارمة و الوجه الذي لا يبتسم إلا نادرا لا تستسلم أبدا..

حتى الكورنا لم تمنعها سابقا من مواصلة نشاطها البيئي والتشهير بكل مقترفي الجرائم البيئية في العالم، سواء كانوا أفرادا أو حكومات..

في تلك الفترة التي تقوقع فيها العالم عن نفسه.. وجدت غريتا في وسائل التواصل الاجتماعي سبيلا لإيصال صوتها واطلقت برنامجها الذي اجتاح أوروبا ووجد تفاعلا كبيرا من الأطفال والشباب.. "الإنسانية لم تفشل بعد.."

وهاهي اليوم تؤكد مرة أخرى أن الإنسانية لم تفشل بعد..

وان غزة وان تخلّى عنها العالم والإخوة والجيران فإن الأحرار وأصحاب الضمائر سيهبّون دائما لنصرتها وسيملؤون العالم ضجيجا من أجلها ولن يتوقفوا أبدا !

في حربها المناخية أجبرت حكومات كثيرة على الاستماع الى مطالبها و فرضت في منتديات دولية ضخمة على بعض الزعماء إجابتها باستياء كما فعل بوتين في منتدى الطاقة 2019 بموسكو، حيث انتقدها قائلا "مطالبها غير واقعية" و هي غير ملمة بالموضوع المناخي!"

أما قصّتها مع ترامب فهي طويلة.. منذ اعلن انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من اتفاقية المناخ الدولية في 2017، هاجمته بشراسة وقادت حملات دولية ضدّه وضدّ بلاده..

حتى أن ترامب وصف تتويج غريتا تونبرغ بلقب شخصية العام لسنة 2019 من قبل مجلة "التايم الأمريكية " المعروفة ب "المهزلة" مع جملة ساخرة قال فيها :

"على غريتا أن تتعلم التحكم بغضبها، وأن تهدأ وتشاهد فيلما قديما"

لتجيبه بثقة :

" استرخ يا ترامب، استرخ!"

والى اليوم يصفها ترامب بكونها" شخص غاضب وغربب"

لكن غضب غريتا يساعدها دائما على التمسّك بما تريد وبالأهداف التي تسعى الى تحقيقها بجرأة لافتة وشجاعة كبيرة.. فمن مقرّ الأمم المتحدة، المجتمعين في قمة المناخ، خاطبت قادة العالم دون أن تتردّد :

"كيف تجرؤون؟ لقد سرقتم أحلامي وطفولتي بكلماتكم الفارغة.. نحن في بداية انقراض جماعي"

وذلك بعدما عبرت الأطلسي على متن مركب شراعي خال من الانبعاثات في رحلة استمرت 15 يوما.. فغريتا ترفض ركوب الطائرة بسبب الانبعاثات وتقود منذ سنوات حملة دولية لمقاطعة ركوب الطائرات..

اليوم أضافت" غريتا" فلسطين وغزة الى قائمة ما تناضل من أجله ومنذ اشهر وهي تكرّس كل وقتها وحياتها من اجل كسر الحصار عن المدينة الحزينة التي يُباد شعبها، غير مبالية لا بالاعتقالات المتكرّرة من شرطة بلادها، ولا بتهديد اللوبيات لها ولا من إمكانية استهدافها بشكل مباشر وهي في عرض البحر من قبل جيش متوحشّ و دموي..

لا تأبه "غريتا" لكل تلك المخاطر وتواصل بإرادة فولاذية مواجهة الوحوش بقارب خشبي في البحر.. فتاة في بداية العشرينات بلا سلاح تواجه بشجاعة جيشا نوويا من اجل قناعاتها و من أجل الحق ومن أجل نصرة المظلومين…

لا تهتم أبدا لا بالجغرافيا و لا للأديان ولا للأعراق ولا للإيديولوجيا ولا الأجندات السياسية ولا الدولارات المغمّسة في العار و خيانة الضمير و لا لبؤس الأذلاّء في الشرق !

هي ترى، فقط، في طفل جائع ووحيد يبكى على شاطئ غزة ويحتاج لمن ينقذه من قبضة الوحش.. الى من يحتضنه بحنان ويربّت على كتفه وهو يقول له "لا تخف.. أنت لست وحدك.. أنا هنا الآن"

ويوما ما ستكون غريتا هناك.. حيث ينتمي ضميرها.. تدافع عن إنسانيتها وعن قضيتها كما يجدر بالأحرار أن يفعلوا !

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات