الدكتاتوريات لا تحطّم فقط اللحظة..

الدكتاتوريات لا تحطّم فقط اللحظة.. الدكتاتوريات الجاثمة لعقود تحطّمك الآن وتقضي عليك في المستقبل.. وذلك ما فعله عمر البشير بالسودان..

فمأساة السودان لم تبدأ الآن هذا للمصدومين المتأخرين من هول ما يحدث في الفاشر، فقبل الفاشر كان أيضا موتا ودمارا واغتصابا وإجبارا على النزوح ومآسي ليست إلا نتيجة لعقود الاستبداد والتصحّر و الحكم بالحديد والنار وانقلابات سمحت للأجنبي بأن يتسلّل ليضع يده على مقدّرات ذلك البلد الجميل..

السودان، ذلك البلد الممتدّ كقارة على ضفاف النيل الذي أحببته في كتابات الطيب صالح، وفي قصائد إدريس جمّاع وفي أفكار محمد مؤيد محجوب التي كانت "كأفكار الندى".. السودان الذي أحببت فيه الفن النوبي و الرقص النوبي أصبح اليوم حزينا جدا وفقد روحه المرحة و فقد شعبه تلك الابتسامة الساحرة التي تراها في وجوه بشوشة أحبت الحياة دائما وخذلتها دائما ..

و لسودان قصص مثيرة لسياسيين غريبي المواقف والمسارات واحيانا الأطوار، من النميري الى سوار الذهب والمهدي صادق وعمر البشير وصولا الى البرهان الجنرال المغامر والغبي و الى حميدتي "القاتل المأجور" الذي بقي صعلوكا دون أخلاق حتى في بزّته تلك..

قصص مثيرة تخبرنا دائما ان ذلك الشعب اعتاد دائما الثورة على جلاديه منذ تحرّره من الاحتلال البريطاني، سحقته تماما دكتاتورية عمر البشير..

عمر البشير الذي وصل السلطة بالانقلاب على مهدي الصادق في 89 و غادرها بالانقلاب عليه في 2019 كان لعنة السودان الذي دمرت فيه كل شيء جميل..

وهكذا يفعل الطغيان دائما..

يتركك يبابا، خرابا.. يقتل روح الإنسان وإحساسه ويجهّل الشعب ويسرق قوته وثروته.. كل وجوه الاستبداد بشعة ليس هناك وجه مشرقا عبر التاريخ وليس هناك مستبدا جيدا.. كلهم مجانين ودمويين.. رجال مغامرين ومعتوهين مهمتهم التدمير فقط !

واليوم السودان الذي تحوز تقريبا على اكبر مساحة في إفريقيا وربما في العالم، من الأراضي الزراعية القادرة على تحقيق الاكتفاء الذاتي لكل العالم العربي، جائعة!

السودان التي تملك ثروة هائلة من معدن الذهب واحتياطي رهيب منه ومناجم في كل مكان، وجعلت الدويلات الخبيثة في الشرق الأوسط تجهّز ميليشياتها لتضع يدها على الثروة المطمورة في تربة السودان الخصبة، لا تجد لها نصيرا اليوم..

ففي خاصرة السودان، أوغندا- نسخة الكيان المجرم في إفريقيا وفي جوارها مصر التي تغذي دائما طموحات البرهان ليكون عمر بشير جديد، وحولها عالم يتفرّج على كل مآسيها في صمت!

ترك البشير السودان رمادا فطمع فيها جنرال فاشل و قوة شرّ تمارس السياسية بمنطق الضباع بالاقتيات من الجيف !

تلك هي السودان وقصتها المأساوية وما تركه فيها استبداد السنين من أعطاب و من ندوب عميقة، نرى نتائجه اليوم !

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات