"السياسي في دقيقة"

السيدة ألفة الحامدي هي اختزال لذهنية كاملة تجذّرت بعد الثورة بشكل عشوائي جدا عنوانها "كيف تصنع سياسي في دقيقة"..

"السياسي في دقيقة" مثله مثل "المفتاح في دقيقة" دوره لا يتجاوز سدّ فراغات عند الاستعمال دون عمق ولا قدرة على التفكير وبناء رؤى حقيقية لتغيير أي وضع .. وهذا النوع من السياسيين عادة ما يتمّ تجهيزهم على عجل في بلاتوهات إعلامية لأسباب قد نكتشفها لاحقا.. ومن غير الاعلام قادر على التسويق لأي منتوج جديد بسرعة قصوى!

والى الآن ما زالت اذكر ذلك الظهور الأول لهذه السيّدة وبعد متابعتي لاحقا لحركتها في الفضاء العام لم يعد الأمر يحتاج لذكاء في فهم حيثيات ذلك الحضور ولا دواعيه!

من البديهي أن الساحات السياسية في كل المجتمعات تجدّد نفسها دائما.. تختفي أجيال وتصعد أخرى.. تنسحب شخصيات وتبرز اخرج..

لكن فكرة السياسي "الديليفري" عادة ما تكون مزعجة و مستفزّة خاصة في التجارب الديمقراطية الهشة.. لأنه فجأة نأتي بشخصيات نكرة.. ومن عدم.. لنحوّلهم الى أرقام في المشهد بغاية تلبية حاجة او سدّ فراغ معين.. باستغلال مهارات معينة يملكونها مثل الفصاحة أو خصال مزعومة يتم التسويق لها باستعمال متراكاج إعلامي مكثّف لترسيخ صورة كاذبة ومزيفة!

والصعود الصاروخي للسيدة الفة الحامدي رغم أنها لا تملك تاريخا يشفع لها ولا ماضي مدني او سياسي تستند اليه و كل خطاباتها وتصريحاتها كانت انفعالية غير منطقية، يُفسّر بأمر واحد:

وجود جهة قوية نافذة وداعمة بصدد صناعة "بروفايل" بمواصفات خاصة للمراهنة عليه في مضمار سباق يبدو مثاليا بفقدان اغلب السياسيين "المعتّقين" للبوصلة والاتجاه وبوجود الكثير من الضجيج والغبار في المضمار بما يعدم الرؤية تماما!!

تلك الجهات خلال النصف الثاني من عشرية الانتقال راهنت على هذه البروفايلات تحت بند ما يسمّى بالبراغماتية ودفعت الى الواجهة بنكرات على أساس انهم فلتات في مجالهم.. رغم ان نجاحهم الاكاديمي او العملي قد يكون اقرب الي النكتة اذا تمت مقارنته بنجاح توانسة تخرّجوا من ارقى الجامعات الدولية و تقدّموا بالبشرية في مجالات عدة.. والأمثلة موجودة.. ولكن هم مجهولون تماما بالنسبة للرأي العام.

وقد جرت العادة أن من يراهنون عليهم في هذا السباق تكون شخصيات هادئة واقرب للتحفّظ و تعطي لمن يراها انطباع توقير و ارتياح..

ولكن السيدة ألفة غلبتها الحماسة واقتربت من المساحات القاتلة في السياسية.. الثرثرة والتبجّح و الاستفزاز المتواصل .. وذلك ما جعلها تفشل دائما في اهم اختبار ل "السياسي في دقيقة" وهو القبول الشعبي!!

رغم أنها كانت تملك أوراق لعب قوية.. امرأة.. وتنتمي الي فئة الشباب(وهو ما افتقده المشهد في مواقعه المتقدمة)..

وقد استطاعت السيدة ألفة في فترة وجيزة أن يدفع بها إلى مواقع القرار في الدولة على رأس اهم المؤسسات.. بل هناك حزب نافذ قبل 25 جويلية طرح اسمها كبديل للمشيشي في أزمة الحكومة تلك !

الأمر لا يحتاج مرة أخرى بداهة وذكاء لنفهم كيف كانت تسير الأمور في كواليس تجربة ديمقراطية هشة ورخوة في علاقة بصنّاعها وفاعليها.

نعود لبيان البارحة في علاقة بالولايات المتحدة الأمريكية، الذي كُتب بأسلوب متوتّر ومرتبك و مندفع كاشفا عن ضعف ووهن فكرة "السياسي في دقيقة" الذي يأتي عليه وقت ويصبح مطالبا بسداد الحساب وتنفيذ مهامه التي وكلت اليه في وقت ما!!

منذ ما قبل الثورة ونحن كنّا نعلم علم اليقين أن هناك دائما "جياد سباق" جاهزة للمراهنة عليها ..وكانت العادة هو المراهنة على شخصيات وازنة الي حدّ ما.. لها تاريخ معلوم.. وخصال متفق عليها.. و حاضنة شعبية الخ الخ الخ.. لكن هذه المرة كانت الوصفة حقّا سيئة جدا.. أعدّت على عجل رغم أن الإعداد النظري كان جيدا (المراهنة على امرأة من فئة الشباب وهو ما كان منقوصا وبشكل ملحوظ في المشهد العام) لكن الإعداد النظري الجيّد عندما يُمتحن في الواقع بشكل سيء تكون النتيجة باهتة و شاحبة ودون ملامح !

تقديري أن السيدة ألفة لم تكن ذكية بما يكفي لتقنعنا بوصفتها حتى نقتنع اليوم بأفكارها التي ترسلها الينا من هناك.. مع الحمام الافتراضي الزاجل!

قد تختلف مع النظام وقد تشتبك معه بشكل مباشر وتتواصل معركة طاحنة تدفع ثمنها باعتبارك الطرف الأضعف في تلك المعركة لكن اختلافك مع أي نظام لا يبرّر ابدأ البحث عن" وكيل أعمال خارجي" لتغيير ما عجزت أنت على تغييره ..

قناعتي الثابتة ومعيار احترامي للسياسيين مهما كان خلافي أو اختلافي معهم هو "محلية المعركة".. اعمل عركتك وحدك.. ولا تستنجد بأحد لتنفيذ مهمتك..

وهذه ليست شوفينية ولكن اتعاظا من التاريخ.. فلم يحدث في تاريخ الأمم أن فلح شخص تدخلت قوّة أجنبية لوضعه على الكرسي وألبسته ثوب القائد ..كان الأمر أشبه دائما بالمسخرة !

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات