راوية معتمدة من الدولة التونسية ومعلنة من وزارة الخارجية او اي مؤسسة سيادية.. علاش.. لأنك هنا أنت لا تتعامل مع "براكاج" صار في "بورط" سيدي بوسعيد يمكن للناطق الرسمي للحرس الوطني توضيح ملابساته.. ووضع الاطار لانطلاق جوقة المطبلين في الاستفاضة في الرواية بشكل مبتذل..
أنت هنا تتحدث عن أسطول بحري له خصوصيته يضم نشطاء من 44 جنسية وأنت كدولة يلزمك تتصرف من موقع مسؤوليتك والتزاماتك الأخلاقية تجاه الأسطول الذي سمحت له بالإرساء في مياهك وتجاه بقية الدول وتقدّم موقفك كدولة.. يمكن ان تكون رواية الحرس تقييم أولي ولكن لا يجب ان يكون موقفا نهائيا..
نأتي الآن للمهم..
لماذا هذا التشكيك في رواية الحرس.. لماذا كشعب نحن لا نثق في الروايات الرسمية..
في الحقيقة هناك أسباب موضوعية لذلك أهمها :
-حالة التعتيم التي نعيشها منذ 4 سنوات تغذّي دائما الشكوك، هناك من يعتقد ان حجب المعلومة يخدمه و أن "قانون الصمت" الذي اجبر الجميع على الخضوع له، يخدم توجهاته وان أبواق البروباغندا كفيلة بانقاذه من المحاججة ومن التفكير المنطقي ومن التشكيك.. ولكن كما ترون اليوم مناخات التشكيك هي السائدة.. و هذه المناخات تحرج دائما من يحكم وتنزع عنه الثقة!
والدليل أن الأبواق لم تكتف بالتمسك بشبه الرواية التي تم تقديمها بل زادت في الابتذال كالحديث عن "مخمورين في السفن" أو تهكمت بوجود مشاوي بل وهناك من استلّ الورقة المفضلة لاستثارة الغرائز بالعدوّ التقليدي والأبدي .. فقال أنها "مؤامرة من الإخوان".. وهذه الإضافات لإرضاء الأنصار واراحة ضميرهم، دليل قاطع على ضعف الرواية المقدمة من الأجهزة..
-ثانيا : هل كان مستبعدا ان يوجه الكيان المجرم مسيّرة بحجم صغير، في حركة تحذيرية لا تسبب أضرارا كبيرة ولكنها تثير المخاوف من استهداف لاحقا وتدخل البلبلة في المنظمين وتحرج بعمق الدولة التي تضع الأسطول تحت حمايتها، قبل ساعات من انطلاق الأسطول؟
طبعا هذا أكيد و ليس مستبعدا.. على العكس تماما هذا من المفترض أن يكون متوقعا.. في النهاية أنت لم تستقبل يخوتا بحرية في رحلة ترفيهية.. بل في مياهك الإقليمية أسطول حرية له خصوصية وهدفه فرض إرادة الشعوب على إرادة انظمة متواطئة.. فالكيان يرصد بدقة ما يحدث في المتوسط ومنذ مغادرة الأسطول برشلونة وهو يتعقّب كل حركة ويتجسس عليه بكل الإمكانيات العسكرية والتقنية المتاحة..
والقواعد قريبة جدا في قبرص وصقلية و البوارج الأمريكية منتشرة في كل مكان.. يعني الرواية التي قدمها النشطاء و خاصة الفيديوهات التي رصدتها الكاميرا تغذّي فكرة الاستهداف اكثر من قصة السترة المشتعلة..
-ثالثا : في صورة تأكّد الاستهداف، خاصة مع غياب الضرر الواضح، هل كان يفترض بالدولة "تبلع لحكاية" وتسكت؟
هنا دعنا نفكّر قليلا بواقعية شديدة.. بالنظر لإمكانيات البلاد ومشاكلها وأزماتها وقدرات العدوّ ووحشيته فإن أي دولة في مكان تونس يمكن أن تصمت بمنطق براغماتي بحت.. ولكن صمت عن صمت يفرق..
كيفاش
يمكن مثلا أن تقدّم رواية نفي مقتضبة عن طريق وزارة الخارجية دون توضيحات..دون أن تلجأ لرواية مثيرة للسخرية تضعك لاحقا في موقف محرج.. مع تبني الاعلام العمومي لكلا الروايتين، روايتك الرسمية ورواية أسطول الصمود الذي يؤكد تعرضه لاستهداف ..
ووقتها يمكن تخرج الأجهزة للتأكيد بأنها تحقق في رواية أسطول الصمود وان في صورة تأكد ذلك ستتخذ تونس ما تراه مناسبا..مع رسائل طمأنة لكل الدول التي يحمل النشطاء جنسياتها وتأكيد على أن تونس ستبذل جهدها في حماية السفن التي في الميناء الى حين مغادرتها.. هنا نتحدث عن إدارة الأزمة اتصاليا.. يعني تنجم تنقذ روحك بذكاء شديد.. دون خزعبلات ولا ابتذال الأبواق..
وبربي نحب لهنا نحل قوس حول الاعلام، الإذاعات خاصة لكبيرة البارح ما رقدتش عكس قنوات الطناجر اللي خارج التغطية عندها برشه .. مشو على عين المكان قبل حتى الاعلام العمومي وهانا جايين ليه، و اغلب المواقع الإلكترونية كانت موجودة وحاولت قدر الاستطاعة وفي وقت متأخر تقديم رواية موضوعية للأحداث ولكن لم تجد أمامها إلا رواية واحدة سائدة من نشطاء الأسطول قبل أن يقدّم الحرس الوطني روايته.. وطبعا ما تحلمش في اللي أحنا فيه توه.. وزير والا مسؤول يجاوبك والا حتى يهز تاليفون..
بالنسبة لوسائل الاعلام الأجنبية راهي هذيكا مراسليها التوانسة ديما في حالة طوارئ موش كيف مؤسساتنا الإعلامية يكملو "شوفلي حلّ" ويهبط الباش على الخبر.. طبيعي يعني على ربع كلمة تلقاهم موجودين على عين المكان وهذيكا اش معناها صحافة..
أما السؤال وينو الاعلام العمومي والتلفزة الوطنية، في أحداث كيف هكا وفي دول أخرى حتى مجاورة يكون حاضرا والرواية الرسمية تخرج من عندو هو.. واذا الأمر اقتضى يكون ربط خارجي مباشر.. ويكون ثمه مسؤول دولة على عين المكان يقدم توضيحات موش تمشي بعد سوايع وتقول الأمن مستتب وما ثما شي.. على أساس هاكا الدرون باش تبقى تحلق في المكان لتجي التلفزة تصورها .
شفت زاده برشه يسبو في قنوات اجنبيه ويتهمو فيها بتشعيل النار وكالعادة نظرية المؤامرة تضرب تصرع.. هنا وفي اطار رفع الجهل.. تعرف علاش في الأحداث اللي كيف هكا واللي تدخل فيها الناس بعضها.. سموه اتصال الأزمات.. لسبب بسيط يا ذكي انو الدولة يلزم تقعد هي المتحكمة في المعلومة وتخرجها بالطريقة التي تناسبها وتناسب مصالحها.. هل كانت موجودة رواية الدولة البارح.. لا لم تكن موجودة..
تم التدارك بتصريح الجبابلي وبيان الحرس.. أما راهو كي تبدا عندك رواية تؤيدها فيديوهات روايتك انت يلزم تكون اكثر حبكة وتماسكا حتى لو كان باش تكذب..!!
في النهاية "درون" والا بريكية.. قضي الأمر.. توه وتُهنا في التفاصيل ولحكاية ولات مغالبة بين رواية رسمية تدعو للتشكيك ورواية نشطاء الأسطول اللي ماهياش زاده مقدسة رغم أنها مرجحة بفيديوهات.. وفي هذا الكل يجد الجمهور نفسه تتقاذفه الانطباعات والآراء الذاتية أكثر من حقيقة ما حصل وكيف حصل!
ويبقى هذا السؤال يبحث عن إجابة حاسمة ومقنعة.. ولن تأتي تلك الإجابة !