"كابوسان"..جحظت عينا النّادل و بانت على صفحة وجهه علامات الاستفهام و الاستغراب و تراجع مسرعا دون أن ينبس ببنت شفة ليتوارى ثم يعود بقهوتي السريعة المضغوطة و قد أضاف إليها قطرات من حليب صار نادرا و مفقودا و تحوّل بقدرة قادر إلى حليب للغولة في بلد كان يسكب فيه على قارعة الطّريق منذ زمن ليس بالبعيد فيما سمّي بعشرية السّواد و صارت كذلك لدى السّواد.
في الحقيقة لم أكن اقصد ما فهمه النّادل و لم أكن لأغيّر قهوتي و أضيف لقهوتي الصباحية السوداء ما يفقدها نكهتها و كنت أفكّر بصوت مرتفع باحثا عن عنوان لمقالي الجديد الّذي نجحت أخيرا في كتابته بعد أن هجرت الكتابة لفترة ليست بالقصيرة جفّ خلالها حبر قلمي و تمرّدت عليّ الكلمات و غابت القريحة و تبلّد الإحساس لأتحوّل إلى شبه صخرة صمّاء وكتلة من الحزن الهائم ضاقت عليّ الأرض بما رحبت، حاولت خلالها أن أغلق كلّ فتحاتي على عالم خارجي يزداد قتامة و اسودّ بالفعل و أتقوقع في عالمي الّذي لم تمنعه تحصيناته من القصف و الدّمار الّذي لم يستثن أحدا.
لم أكن أقصد بالكابوسان و هي التسمية التونسية للكابوشينو الإيطالية الشهيرة مع أنّ الامارات العربية المتّحدة و هي تستعدّ لاستقبال النّتن ياهو رئيس الحكومة الاكثر تطرّفا في تاريخ الكيان الغاصب في يوم تدنيس وزير أمنها القومي للأقصى الشريف،تدّعي أنّها موطن الكابوشينو الحقيقي كما هي موطن عنترة ابن شداد و أوّل حضارة إنسانية وجدت على ظهر البسيطة في جهد محموم لاصطناع تاريخ لا وجود له في الواقع.
ليست هي تلك الكابوسان ،احدى أضلع نجمة التحيّل السّداسية الّتي خدعنا بها قيس سعيد و الّتي كانت سجائر الصفاء، و التقوى المدّعاة، و التلسّن بالعربية الفصحى، وشعار التطبيع خيانة عظمى،و عباءة رجل القانون بقية أضلعها ،هي المقصودة ،بل هما الكابوسان الّلذان صرنا نعيشعهما بسبب تلك الكابوسان المشؤومة المرّة اللّعينة.
هما كابوسان باللّيل و النّهار ،نستفيق من كابوس اللّيل و قد سعدنا بأنّه كابوس و لم يكن واقعا لنصطدم بكابوس النّهار و نكتشف بأنّه واقع و ليس بالكابوس.
مسرحية عبثية نعيشها من قبيل الكوميديا السّوداء في رحلة تيه نحو المجهول و قد تراءى لنا الثقب الأسود و هو يستعدّ لابتلاعنا لنرى المستقبل الّذي مضى!
مسرحية ركيكة سمجة بسيناريو رديء تافه و لقائل أن يسأل و كيف تنجح مثل هذه المسرحيات الّتي لا يقبلها الّا السذّج ليجيبه واقع التّفاهة بأنّه لا نجاح في عصر صناعة التّفاهة إلّا للتّفاهة و الرّداءة و الانحطاط و أنّ الجمّهور الّذي ألف التفاهة لن يقبل بغيرها بضاعة و سيرمي كلّ من سيقدّم له خلاف ذلك بحبّات الطماطم و البيض حتّى و لو صار سعر البيضة مثل سعر أمّها!
هل هي إحدى حلقات الكاميرا الخفية كحلقة الزلزال إحدى مراحل تمرير الخازوق بكلّ ما يتطلّبه من "ڤاسلين"، ربّما،فقد تسرّب الشكّ إلى النّفوس بعد أن سرى فيها الخراب و حوّلها إلى أشباح خاوية و اختلط الواقع بالخيال و أنتحر المنطق و جميع الاحتمالات واردة لكنّ الحقيقة الواحدة أنّنا نعيش كابوسين فمتى ينقشعان و متى نستفيق؟