قصبة قرطاج

Photo

قصبة البلد هي مدينته وهي مبان حصينة يتّخذها أهل الحلّ والعقد وكبار موظّفي الدّولة مقرا لإدارة الشّأن العام وهي في الأصل مواقع كان يتّخذها الجند للدّفاع عن منطقة معيّنة وتأمينها من الأخطار المحدقة، وقصبة تونس عُرفت منذ عهد الدّولة الحفصية وقد اختطفت الأضواء من قصبات أخرى في باجة والكاف والحمّامات، كما لا يخلو بلد عربي من قصبة مماثلة اتّخذت تقريبا نفس الشّكل والوظيفة أشهرها قصبة الجزائر والودّاية بالمغرب.

القصبة صُمّمت وكانت دوما منذ العهد الحفصي مرورا بالدّولة الحسينية الى ما يسمى بالدّولة الوطنية كقناة تُمرّر الهواء المُتحكّم في منسوبه الى بقية القصيبات الهوائية وغالبا ما كانتا الرئتان والقلب في باردو ثمّ قرطاج أمّا المخ ففي مكان آخر خارج الدّيار. هكذا كان مدلول التّسمية الشّكلي المعماري وما ينتج عنه من بعد وظيفي، مع الاشارة الى أن القصبة تعني ايضا العظام الطّويلة ذوات المخّ، وهي أيضا تُستعمل كوحدة لقيس الطّول ويُمكن أن تُستعمل لصيد السّمك أو لهشّ الغنم أو للجلد أو للعزف كما النّاي والمزمار (القصبة الشّاوية والرّكروكي).

وهو ما يفيد بإمكانية أن تتشّكل القصبة وتُوظّف بحسب من يُمسكها بقبضته والمهمّ أن لا تسقط عينا قافها فتَتعيّن أو لا تُبقر بطن صادها فتتأحأح! ومن المنطقي حسب تاريخ القصبة وسيرتها الذّاتية أن يصطبغ من وجد أو وضع في خوائها بصفاتها فيكون بالضّرورة قصّابا أي جزّارا يأخذ الشّاة بقصبتها أو زمّارا أو عصا للصّيد او الجلد او الهشّ ولا عجب في أن تسترجع القصبة دورها بعد أن ظنّت بأنّها رئة لها اوتونوميّتها وبمقدورها أن تشتغل بانسجام مع القلب وبتناغم مع الجهاز العصبي.

من البديهي أن يكون للجسد رأس واحد وهو يحتاج لبقية الجسد ويتعاون مع بقية الأنظمة لكي لا تنهار كلّ المنظومة و الاّ لأمكنه البقاء و الخلود حتّى و ان قُطع أو فُصل عنه. دوما ما كانت النّيرونات تميل الى التسلّط فكيف ان تورّمت احداها وتضخّمت وأنكرت على بقية الخلايا دورها ووظائفها؟

ما نشاهده اليوم من مشهد سوريالي يرتقي الى مستوى العبث و نكوص العقل و الجنون و هو ضد ّالفطرة و المنطق و القانون و المأساة أنّ مصدره يعتقد أنّه خارق للعادة و للقانون، تُهنا و هَرمنا بعد هرمنا الأوّل بين القصرين و بين الغرفتين في نفس القصر و بين الكمالين و الوليدين،تضارب في الأسماء و في المصالح و في الشّرعية ، وزراء يُعيّنون في آخر لحظة و يستمعون الى خبر توزيرهم و هم لا يعلمون، و وزير أوّل يهان قبل ان يستلم المهام و بيانات تصويب تحتاج الى تصويب !

وتشكيل تحول الى "تشليك" للدّولة ولدستورها الّذي أكله الحمار أو كاد ولمؤسّساتها الّتي فُخّخت وعلى قاب قوسين أو أدنى من الانهيار. حالة تخبّط وضرب عشواء وعجز وشبه شلل تام أصاب البلاد والعباد في حين بدأ البعض يرقص على نغمة المُخلّص المُلهم والمُنقذ من يختزل في ذاته المتورّمة الوطن والدولة والشعب والدستور.

نحن في ورطة ساهمنا فيها جميعا فكيف الخلاص؟ ملاحظة: كتبت المقال وانا استمع الى نغمات القصبة الشّاوية وأغنية في المزموم:" شاقية خلوني…ما تزيدوش عليا".

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات