ليقضي اللّه أمرا كان مقضيّا

أنا و أنت و نحن، من نملك رفاهيّة الثرثرة، و راحة الجلوس على كراسينا في مقاهينا أو مكاتبنا أو غرفنا الدّافئة تحت سقف يحمينا زمهرير الشتاء و في بيوت تقينا عواصفه،و من لدينا أصابع نجت من الصّقيع و هي تداعب كأس مشروب ساخن و تتصفّح شاشات هواتف لم نصنعها فنعلّق على ما يحدث حسب المزاج، بإعجاب أو استهجان أو بوجه ساخر ،ثمّ نستسلم لنوم هادئ لا تقطعه صوت طائرات أو دويّ انفجارات أو طلقات مدافع.

نحن من لدينا أطراف مازالت قادرة على احتضان من نحبّ و مازلنا نلتهم في اليوم ثلاث وجبات و بعضنا لا يقدر على الاستغناء عن مشروبات ستاربكس و البيبسي و يستهجن مقاطعة بضائع الشركات الدّاعمة للاحتلال.

نحن من بعضنا لا يستطيع رفع علم فلسطين في بلدان ترفرف في سماء بعضها علم الكيان.

نحن من لا يستطيع بعضنا الجهر بالدّعاء نصرة للمظلومين و توزّع لخطّاب المنابر خطب الحيض و النّفاس و المسح على الجوارب و وجوب الطّاعة لوليّ الأمر و لو زنا على المباشر!

نحن من نتباكى و نذرف دموع التّماسيح ثمّ نهبّ بالآلاف نتقافز تشجيعا لفريق كرة منفوخة بالهواء فنطلق الشماريخ و نجوب مدن خرابنا ابتهاجا بنصر زائف.

نحن من نتدافع لحضور حفل راقص،نحن من نتسكّع بين المقاهي و الحانات و الجوامع ،نحن من تفرّقنا العصا و يجمعنا طبل و عازف، نحن المنفصمون و بعضنا يدّعي مقاومة لاحتلال الخارج و يسند احتلال الدّاخل!

نحن و قد اختلط فينا الحابل بالنّابل و استوى صوت الجاهل مع العالم و تحوّل البعض إلى خبراء في الجيولوجيا و الجيوسياسة و علم الفضاء و آخرون علماء دين يفتون على الهواء.

نحن من نهرف بما لا نعرف و لا نعرف من نحن!

نحن الكينونات المشوّهة، الخانعة، الخاضعة، اللّاهثة وراء السّراب و الأوهام ،المتوتّرة كحمر مستنفرة كلّ همّها اشباع فتحاتها البيولوجية،المخادعة لضمائرها بنضال افتراضي لا يغني و لا يسمن من جوع و لا يغيّر نفسا أو واقعا.

نحن الهزيمة و الانكسار، نحن العار إذا ما ذكر العار.

نحن و ما عليه نحن و ما كنّا على ذاك النّحو، لا يحقّ لنا أن نخوض فيما يخوض فيه الرّجال.

الكلّ يدلو بدلوه ، تشكيك، تخوين ، تثبيط، و مزايدة و تحاليل بول و لوثات، خانت مقاومة لبنان مقاومة غزّة، انتصر العدوّ الغاشم و انهزمت المقاومة الّتي ما كان عليها أن تقاوم!

كانت مسرحية منذ البداية لتصفية القضية و تدمير الأوطان، هذا مصير من يثق في الشّيعة و إيران و هذا مصير من يشقّ عصا طاعة أولي الأمر!

لك اللّه يا غزّة، تركك الجميع!

و من لغزّة غير اللّه؟ و من لعباد اللّه غير اللّه؟

أتعلنون نصرا لم يعلنه العدوّ و بعض أركانه يعتبر ما جرى هزيمة و استسلاما لإرادة المقاومة؟

ما الأهداف الّتي حقّقها من بين الّتي أعلنها؟

هل كان سيجرّ مضطرّا لاتّفاق وقف اطلاق النّار لولا المقاومة الأسطورية الباسلة في الخيام و بيت جبيل و كلّ قرى جنوب لبنان، و لولا الصّواريخ و المسيّرات الّتي طالت غرفة نوم نتن ياهو و وزارة حربه و اجبرت عديد المرّات الصّهاينة على الإختباء في جحورهم كالجرذان.

من وقف مع غزّة، مع رجال اللّه سوى رجال لبنان و اليمن و العراق ؟ ليكتفي البقية بالمشاهدة و التعليق و بعضهم بالتثبيط و التشكيك و البعض الآخر تحوّل الى ناطق رسمي باسم العدوّ.

في ظلّ أنظمة مستسلمة خائنة تستجدي العدوّ و تشجّعه و تستعجله في اتمام مهمّته في القضاء على الضّحية.

من استجاب لنداء الطّوفان سوى قلّة من أمّة استكانت غالبيّتها للظّلم و الطّغيان؟

كيف يخوّن من قدّموا قياداتهم قرابين فداء في طريق القدس و فاتورة طويلة من التضحيات من الشهداء و الجرحى و اللّاجئين و القرى المدمّرة ؟

كيف نقدح في مقاومة لبنان الّتي شكرتها مقاومة غزّة و فلسطين و ثمّنت اسنادها و قدّرت تضحياتها؟

متى نفهم إن كانت لنا عقول نفقه بها أنّ ما بعد الطّوفان ليس كما قبله، و أنّنا على قائمة الاستبدال ليقضي اللّه أمرا كان مفعولا؟

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات