لعبة الفيل والحمار (1)

Photo

يحبس العالم أنفاسه منتظرا بترقّب ما ستفرزه صناديق اقتراع الانتخابات الرّئاسية الأمريكية المزمع إجراؤها في الثالث من شهر تشرين الثّاني/ نوفمبر القادم، الانتخابات التّاسعة و الخمسون منذ أن أجريت لأوّل مرّة سنة 1789 و الّتي يكتنفها غموض شديد ممّا يعسّر عمليّة التكهّن بنتيجتها بالرغم من الأسبقية النّسبية الّتي تمنحها استطلاعات الرّأي لصالح المرشّح الديمقراطي" جو بايدن" ، فمن ترى سيفوز ؟ وهل ستفرز تغيّرا عميقا في المشهد وفي السّياسات أم هو مجرّد استبدال للأسماء واليافطات؟

_ديمقراطية الدّماء و الأشلاء :

منذ سنة 1789 تعاقب على رئاسة الولايات المتّحدة الأمريكية 45 رئيسا، مستقلّ واحد و هو المؤسّس "جورج واشنطن "و اثنان من حزب اليمين و سبعة من الديمقراطيين الجمهوريين و 19 من الجمهوريين إلى جانب 16 من الديمقراطيين، و بغضّ النّظر عن اللّون الحزبي لساكن البيت الأبيض فإنّ النّتائج كانت متشابهة، 231 عاما افرزت استكمال ابادة السكّان الأصليين الّتي ابتدأت منذ أن وطئت أقدام السّاحر الأبيض الأرض الجديدة لترتكب أفظع مجزرة في التاريخ راح ضحيتها ملايين البشر، كما تمّ قتل الآلاف و مسح هيروشيما و ناجازاكي من الخارطة إلى جانب محرقتي الكوريتين و الفيتنام ثمّ تدمير العراق و افغانستان مع الضّلوع في انقلابات أمريكا الوسطى و الجنوبية و افريقيا و تثبيتها لورم "اسرائيل" في قلب الأمّة و دعمها للطّغاة و المستبدّين و تفريخها للقاعدة و داعش.

إشعال للحروب واستباحة للإنسان ونهب للثّروات، هي أضرار جانبية لا بدّ منها وأعمال جراحية قد تكون مؤلمة لكنّها ضرورية بوجهة نظر من يعتقدون أنّهم يحملون رسالة من السّماء عليهم تنفيذها، هي أضرار هامشية كانت ضرورية لنشر الحضارة.

الرّئيس الأمريكي السّابع وهو "الديمقراطي" "أندرو جاكسون" الّذي تولّى الرّئاسة لفترتين (1829_1837) كان مغرما بالتمثيل بالجثث وكان يحسب عدد القتلى بإحصاء الأنوف والآذان المقطوعة ويذكر أنّه أقام حفلة تمّ التمثيل فيها بمئات من الجثث منها الّتي للزّعيم الهندي "مسكوجي".

أمّا الرّئيس الثّاني وثلاثون وهو "الديمقراطي" "فرانكلين روزفيلت" الّذي فاز بأربع فترات رئاسية متتالية من سنة 1933حتّى سنة 1945 ويصنّف ضمن أعظم ثلاث رؤساء عرفتهم الولايات المتّحدة الأمريكية إلى جانب "جورج واشنطن" و " ابراهام لنوكلون" فقد كان يصف السكّان الأصليين بالحيوانات المفترسة معتبرا أنّ مبدأ الأمان بالنّسبة للإنسان المتحضّر هو حين يتخلّص من جيرانه البرابرة وهو استنساخ لتعريف" هرتزل" لوظيفة الصّهيونية كاستحكام محصّن أمامي للحضارة الغربية أمام برابرة الشّرق.

وللمصادفة أنّ الّذي خلفه وهو "الديمقراطي" " هاري ترومان" يبرّر أخلاقيا لجريمة القنبلة النووية بقوله:" لقد أدّت أمريكا دورها، الدّور الّذي أنشأها عليها الربّ". هذه نماذج لأقوال و مواقف لبعض الرّؤساء" الدّيمقراطيين" الّذين يروّج لهم بأنّهم الأقلّ عنفا و الأكثر انفتاحا و هم لا يختلفون عن نظرائهم من الجمهوريين ، ينهلون من نفس العين و يحملون نفس العقيدة، تلك العقيدة المرتكزة على ثالوث الاصطفاء و الاستثناء و الامتلاك الحصري لحقّ القوّة المطلق، امتياز و خصوصية ممنوحة للأمّة الأمريكية النّموذج الّتي يعتبرونها تمثّل الأمل و التحضّر و خلاص البشرية ، الأمّة المختارة من السّماء أو كما يقول المؤرّخ "باول ايركسون" :" شعب الله المختار المرسل ليكون أداة التغيير و التّأثير و عيونه في الأرض".

_تبادل للأدوار :

لم يكن الرّئيس الأمريكي الحالي "دونالد ترامب" مختلفا جوهريا مع من سبقوه فهو يحمل نفس العقيدة و يقرأ من نفس الألواح و صدامه الظّاهر مع الإعلام و الإدارة العميقة هو نتيجة لأسلوبه الفجّ و كشفه مستورا يراد له أن لا يكشف، فهو مثلا ليس الوحيد الّذي يريد مقابلا نظير خدماته لكنّه كان أوّل من يعلن ذلك أمام الملأ ، ليحلب و يجلد و يسحب جانب المناورة الّتي كانت تترك للتبّع حتّى يحفظوا بعض ماء الوجه، ترامب هو المثال الواضح و الموضّح و الصّريح و الفاضح للقادة الأمريكيين و للفرد الأمريكي المنتفخ بأناه المتضخّمة المتمركزة حول ذاتها و المسكونة بوهم التفوّق و الاصطفاء.

في المحصّلة لا يختلف الفيل عن الحمار إلّا في الشّكل و الحجم و يشتركان في نفس الوظيفة،و لهما نفس السرعة القصوى(40كلم/س) مع امتلاكهما لحاسّة شمّ مذهلة و ذاكرة قويّة عجيبة . كلّ أربع سنوات يقام سباق بين الفيل و الحمار تقام فيه الاحتفالات و تزدحم فيه السّاحات و تبلغ الحماسة بطوابير المشجّعين حدّها الأقصى و نتيجة السّباق معلومة ،فهما يمتلكان نفس سرعة الرّكض و اذا ما تركا يتسابقان دون وكز أو عرقلة فسيتساويان في نهاية السّباق لذا كانت دوما الهيئة المشرفة و صانعة القرار الحقيقي من تعيّن كلّ مرّة من سيفوز حسب متطلّبات المشهد، و في سجل تاريخ هذا السّباق فاز الفيل في 24مرّة مقابل 23 فوز للحمار و قد يسمح لهذا الأخير بأن يعدّل النتيجة في السباق المزمع إجراؤه قريبا و قد لا يسمح حسب ما تقرّره المصلحة و المهمّ بأن لا يتجاوز الفارق نقطتين حتّى لا يحبط أحد الطّرفين و يفقد السّباق زخمه و نكهته.

غالبا ما يتخفّى الخاسر ليتولّى الفائز مهمّة تعقّبه وكشف مكان اختبائه في غابة المصالح ليبسط يده على كلّ موقع كان قد تواجد فيه وهكذا تتوسّع الغابة. حضور الفيل أو الحمار وتغيب أحدهما يتمّ حسب ما يمليه الظّرف وغالبا ما يستعمل الفيل للفرجة والإبهار في حين يًلتجأ للحمار للتمويه والاستحمار والنّتيجة واحدة، توسّع و "استعمار".

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات