هل تلتحق السّعودية رسميا بركب التّطبيع؟

Photo

أتعجّب ممّن فاجأته الخطوة البحرينيّة بالتّطبيع مع الكيان الصّهيوني الغاصب المحتلّ فهي كسابقتها الاماراتية متوقّعة ومنتظرة، وهي مجاهرة لما كان يمارس سرّا وباحتشام اقتضته متطلّبات حملة الرّئيس الأميركي ترامب الانتخابية لتمرير ذلك كانجاز تاريخي يحسب له إلى درجة أن يرشّح لنيل جائزة نوبل للسّلام وتمنحه أملا في الفوز على غريمه الديمقراطي جو بايدن الّذي يتفوّق عليه حسب آخر استطلاعات الرّأي.

ولا أظنّ أنّ ترامب المهوّس بالحفاظ على منصبه ونتنياهو الّذي لا يقلّ عنه هوسا بذلك سيكتفيان بمثنّى في الحفل المزمع عقده في 15 سبتمبر القادم وسيعملان على أن يجتمعا بثلاث أو رباع مع إمكانية السّماح لمن ملكت أيمانهما بحضور الوليمة احتراما لما يمليه "الشّرع"!

المطبّعون كثر وهم يتهافتون ويتزاحمون ويتنافسون على نيل دعوة لحضور حفلة السّقوط الكبير الّتي لن تكون تنكّرية بل بوجوه مكشوفة ولن تحقّق المناسبة الطّقوسية مبتغاها وتبلغ أقصى مداها بدون حضور صاحبة الطّلعة البهية المكتنزة الشّهية السّعودية، حتّى وإن أصرّت على التمسّك بالحدود الشّرعية في الملحمة البوهيميّة! فهل ستلبّي السّعودية المختطفة والمحوّلة وجهتها الدّعوة وهي تبدو كالمشتهية المتمنّعة أم أن الظّروف لم تهيّأ بعد كما يجب للمجاهرة بالرّغبة المحرّمة الّتي تمارس سرّا؟

حديث في التّطويع و التّطبيع:_

المقصود بالتّطبيع بصفة عامّة هو أن يُحوّل أمر غير طبيعي مناقض للفطرة، مستهجن ومرفوض ومذموم وفي غالب الأحيان غير قانوني بدساتير السّماوات والأرض إلى طبيعي ومستساغ ومقبول ومستحبّ بل يشرعن على أنّه قانوني. وعمليّة التطبيع تلك تحتاج إلى تطويع للنصّ وللمتلقّي الّذي يقصف وعيه ويغيّب ويضرب إدراكه ويعطّل فهمه ويتوقّف عن التفكير فتلتبس عليه الأمور ويقبل بما تمليه عليه مختبرات صنع القرار وولاّة الأمور.

يتعرّض الفرد إلى قصف مركّز وهرسلة ممنهجة تضعف مناعته وقدرته على صنع الأجساد المضادّة بل وتستحدث لديه مستقبلات لما كان جسده يصنّفها أجساما غريبة ضارّة فيطاردها ويلفظها لتصبح ضيوفا مبجّلة. التّطبيع عمليّة منافيّة للفطرة وهي تحتاج إلى تطويع قسري وغالبا ما تنجح العملية في مناخات القمع والاستبداد، وإذا كان المصطلح يشير إلى العدوّ الصهيوني فانّه يشمل أيضا أشكالا أخرى منها التّطبيع مع الجهل والتخلّف والفقر والمرض والرّذيلة وسوء الخلق والفساد والإرهاب والطّغيان والظّلم والاستبداد.

فالحاكم المتغلّب بإمكانه أن يهتك عرضك ويغتصب أرضك ويجلد ظهرك ويسلخ جلدك وما عليك إلاّ أن تقبل بذلك ولا تعترض ولو في سرّك مخافة نار يلوّح بها كهنته لو خرجت عن أمره. ومن السّهل أن تطبّع مع مغتصب غريب أجنبي إذا ما تمّ المران مع القريب المحلّي.

والشّذوذ الجنسي المصنّف علميا انحرافا سلوكيا صار يسمّى مثلية لينتصب من يدافع عنه لنشره عوض محاصرته والتعامل معه كحالة مرضية من المفروض معالجة المصابين بها ووقاية المجتمع من مضارّها. كذلك العلاقات خارج إطار الزّواج الّتي تفشّت في مجتمعات كانت محافظة لتصبح عادية وحرّية شخصيّة يوصم من يستنكرها بالتزمّت والانغلاق.

في زمن أزمتنا المجتمعية القيمية صار الصّدق والطّيبة والتعفّف وترك الحيلة والأمانة والإخلاص في العمل سمات ضعف الشّخصية وعلامات غباء وسذاجة مفرطة قد تؤدّي بصاحبها إلى الفشل الذّريع في غابة البقاء فيها للأقوى. انقلب الهرم القيمي على ٍرأسه لتتقبّل رؤوسنا ذلك ويصبح الأمر طبيعيا لا يتطلّب مراجعة أو تصحيحا. هي عملية اغتصاب لكلّ المعاني وزنا محارم بالقيم بعد تخدير كلّي وتغييب للوعي.

تحوّل الجلّاد الظّالم المغتصب الإرهابي القاتل المنتهك للحقوق المكفولة في كلّ الشّرائع إلى حمامة سلام وصديق وديع جدير بالاحترام، لتصبح الضّحية صاحبة القضيّة عدواّ مشاغبا وما عليها إلاّ بقبول الأمر الواقع والرّضوخ والاستسلام. زناة المعاني ومغتصبي الكلمات يمرّرون لنا بأنّ الأسود أبيض ويوهموننا بأنّ" الخلل في عيوننا، يتحدّثون عن تاريخ لا نعرفه وجغرافيا لم ندرسها ولغة جديدة لم نألفها كسروا فيها المرفوع وأغابوا الفعل ونصبوا الفاعل.

الحبل على الجرّار: _

مرّة أخرى يطلّ علينا الرّئيس الأميركي ضاحكا حتّى بانت نواجذه و هو يبشّرنا باتّفاقية سلام جديدة مع طرف عربي آخر،اتّفاقية لم تكلّفه سوى رنّة هاتف ليسارع ملك البحرين بالموافقة دون شروط و لا تحفّظ، اتّفاقيات سلام بين من لم يخوضوا قطّ حرب أو مفاوضات و خدمة مجانية للمغتصب المحتلّ الّذي سيقبض مقابل ذلك استثمارات و مزيدا من التوسّع،سلام مقابل سلام و ضخّ للأموال و الحبل على الجرّار كما بشّر بذلك نتنياهو شعبه.

كان متوقّعا ما جرى خصوصا وأنّ البحرين قد خطت أشواطا في التّطبيع وطلبت صراحة أن تكون التّالية بعد الإمارات وفي الواقع فانّ لا وزن حقيقي لشطحة ملك البحرين إذ كان دوما بالون اختبار لاستشعار ردود الأفعال فيبوح بما تريد السّعودية قوله، فهذه الأخيرة هي من ترغب في الدّخول علانيّة إلى ساحة الرّقص وتحتاج لأن ترى نفسها في المرآة وهي تميس بأقدام البحرين وعلى إيقاع طبلة الإمارات.

كانت السّلطات البحرينية ولا زالت ساحة تجربة تفاعلات السّعودية الكيميائية الّتي تتحكّم في عناصرها وتفاعلها الأيادي الإماراتية خصوصا بعد صعود نجم وليّ العهد السّعودي محمّد بن سلمان الّذي ارتهن مصيره بنجاح صفقة القرن وبالثّالوث ترامب ونتنياهو وبن زايد.

لا يمكن للسّعودية في وضعها المتأزّم الرّاهن إلاّ أن تستجيب لما يملى عليها و هي تتهيّأ لذلك و تهيّئ المحيط بقبول ما لم يكن مقبولا،فلا صوت يعلو اليوم فوق صوت المطبّعين في وسائل الإعلام الرّسمية و على وسائل التّواصل الاجتماعي و من فوق المنابر،ليتجنّد السّديسي و بقية جوقة المتفيقهين و علماء السّلاطين و يجتهدوا في فقه التّطويع و التّطبيع و المعاهدين،و من المضحكات المبكيات أن يدعوا لتقبّل العدوّ الفاجر الغريب و يجرّموا التّعاطف مع الأخ القريب ،و يفتحوا الأجواء لطائرات العال "الاسرائيلية" و يمنعوا ظلما مرور القطرية.

لم يكن التّطبيع مع العدوّ الصهيوني مستحدثا جديدا إذ كان يمارس باستحياء ومن وراء السّتار إلى أن قرّر ترامب كشفه علانية ليستعملهم كورقة انتخابية سيرميها لاحقا في مرحاض التّاريخ. لم يكن مستغربا موقف الجامعة العربية، المختطفة و الميّتة سريريا، فقد تلكّأت عند طلب فلسطين لاجتماع عاجل لوقف نزيف الخيانة و العمالة لتجتمع بعد شهر رفعا للحرج و تسقط قرارا فلسطينيا بإدانة التّطبيع و لا تفوّت الفرصة لتحذير تركيا من تدخّلاتها في الشّؤون العربية،و المؤسف حقّا أن يلتزم الحياد من كان صوته عاليا في الدّفاع عن القضيّة الفلسطينية مثل الجزائر أو من صرّح سابقا بأنّ التطبيع خيانة عظمى لتصبح شأنا داخليا و وجهة نظر. "

سيأتي يوم على هذه الأمّة وتصبح الخيانة وجهة نظر" تلك كانت مقولة الشّهيد غسّان كنفاني ذات يوم لنشاهد بأعيننا ذاك اليوم. "سيتفاجأ العرب ذات يوم أنّنا قد أوصلنا أبناء إسرائيل إلى حكم بلادهم" هكذا تحقّقت نبوءة جولدا مائير. في النّهاية طبّعوا كما شئتم فالقضّية مطبوعة في وجداننا ومنقوشة في جيناتنا ولن تفيدكم أشجار الغرقد الّتي تزرعون مهما اقتلعتم من شجر الزيتون.

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات