حتّى من ارنستو شي غيڤارى و هو سجين إطار معلّق أعلى الجدار استفزّته كلماته السّمجة القميئة و تململ و هو يستمع إلى حواره و نطق" الكلمات الّتي لا تنطبق على الأفعال هي كلمات غير مهمّة و لا بدّ أحيانا من لزوم الصّمت ليسمع الآخرون فالصّمت فنّ عظيم من فنون الكلام".
و هل مازال هناك في زمن التّفاهة و الرّداءة من يستمع إلى صوت الحكمة و يتذوّق الفنّ و تطرب أذناه لأمّ كلثوم و فيروز و يرقص مع زوربا و يرتعش جسده مع بوب مارلي الّذي انتحر مرّة أخرى و هو يشاهد هذه المسرحية الرّكيكة السّخيفة المكرّرة المعادة كاسطوانة مشروخة،" لا وجود لأزمة!..الحليب متوفّر و كذلك الزّيت و السكّر..كانت متوفّرة في الستّينات فكيف تغيب في هذا الوقت بالذّات؟"، هكذا برّر و هو يرتشف القهوة من فنجانه المذهّب في إحدى غزواته لإقناعنا بأنّ الأسود أبيض!
فعلا أقنع و أفحم و جعل صورة شي غيفارا تنطق و بوب مارلي ينتحر مرّة أخرى بعد أن انتحر المنطق، و شابّ صدمه المشهد و قد انبعثت من نظراته أسئلة التعجّب، هل هذا كائن يعيش بين ظهرانينا على هذه الأرض في هذه المجرّة في هذا الزّمن التّعيس "الأغبر"؟
أتراه له عقل و يفكّر؟ أم هو ريبوت تالف صنيعة الغباء الاصطناعي المركّب؟
إلى حدّ السّاعة و إلى قيام السّاعة يصرّ إلحاحا على أنّ ما يجري هو مؤامرة ،كذب و إشاعة! فلا تصدّقوهم و صدّقوه و هو الصّادق الصّدوق المبعوث لإنقاذنا و الإنسانية جمعاء من الواقع التّعيس لننعم بسعادة خام تنعش النّفوس و تذهب عن الرّؤوس وجعها و صداعها! و هو المخلّص من الأشرار و المطهّر للأوطان من ضباعها !
لا تصدّقوا الأحزاب و لا المنظّمات و لا الأكاديميين و لا الخبراء و المراقبين محلّيين كانوا أو دوليين،فكلّهم متآمرون يسعون لخراب الوطن و ضياعه، لا تصدّقوا أعينكم و لا أذانكم و لا بطونكم و لا تستمعوا إلى وسوسة عقولكم ،لا تصدّقوا واقعا تعرّى و صار خبرا تفشّى دون حاجة إلى نشر صحيفة أو بثّ في تلفاز أو إذاعة!
المطلوب فقط أن تستمعوا إلى ما يودّ "الزّعيم" سماعه!
لا داعي للقلق، لا وجود لأزمة كلّ شيء على ما يرام و تحت السّيطرة و سيتمّ العبور و ما عليكم سوى الإستكانة و اظهار المزيد من الولاء و الطّاعة، إلزموا أماكنكم و اربطوا أحزمتكم و ليتفقّد كلّ منكم زاده و متاعه،فالعلوّ شاهق و نهاية الرّحلة بدأت تتراءى و الثقب الأسود يفتح فاه مستعدّا لاستقبال الوافد الجديد و الرّيبوت التّالف المتشبّت بالمقود يصرّ على أن يكمل رحلة العبور إلى مستقبل لا عودة منه و هو يردّد لا تهتمّوا ما ترونه ليس بثقب أسود فكلّ المظاهر خدّاعة!
مسكين ذلك الشّاب الّذي أجبر بالصّدفة على مشاهدة رئيس الصّدفة، هذا الرّيبوت التّالف المسكون بجنون العظمة، في مسرحية سخيفة تعيسة ككلّ مرّة، و مسكين ذاك الّذي سانده من قبل و صار يتباكى و يتشكّى من أن "الزّعيم" لا يستمع إلى أنصاره ،و هل هناك ريبوتا يستمع إلى نصيحة؟ ما يحتاجه تعديل برنامج أو إبدال شريحة و إن تعذّر فنزع بطارية الشّحن و تلك هي الحلول النّاجعة الصّحيحة، و الأمر مستعجل و لا يتحمّل التّأجيل قبل أن يبتلعنا الثقب الأسود جميعا و قبل ذوبان الوطن و ضياعه.