"ما شاء اللّه"

شيء من الهدوء ، دعنا نركّز ، دعنا نتأكّد ، و كأنّنا أخيرا سمعنا صوتها، صوتا نديّا شجيّا حنونا هامسا تسلّل وسط الهدير المقمقع المزبد المزمجر المدوّي المنفجر اللّاعن السّاخط الغاضب المنطلق كطلقات بارود من فوهة مدفع، دعنا نركّز و نعيد مشاهدة الفيديو مرّات و مرّات، الفيديو الّذي سحب من صفحة الرّئاسة ساعات بعد نشره بعد أن تحوّل إلى فضيحة عالمية!

دعكم من الكلمات القميئة و الركيكة و الممجوجة و القبيحة العنصرية الّتي ترشح حقدا و كراهية و الباثة للفتنة و التفرقة و الدّاعية للتّباغض و الاحتراب، فقد تعوّدت آذاننا على سماعها، خونة، حشرات، جراثيم ، جائحة، منافقون، مأجورون، متآمرون، مخمورون، فاسدون، مرتشون، هي عبارات ينتقيها رئيس من قاموسه المنحطّ ليصف بها جزء من شعبه انتخبه و بفضل أصواتهم صار رئيسا ليتنكّر لهم و للدّستور الّذي أقسم عليه و للسلّم الّذي صعد به إلى سدّة الحكم، دعكم من كلّ هذا و انتبهوا إلى سكرتيرته التي لا تشوبها شائبة سوى بعض المليارات الّتي تبخّرت من خزينة وزارة التعليم العالي حينما كانت مسؤولة،هل سمعتم؟

نعم نطقت، و ربّ الكعبة نطقت و همست باستحياء:" ماشاء اللّه"تجاوبا مع ما ذكره سيادته القائد الملهم المكلّف بمهمّة أمميّة " الّذي لا ينطق عن الهوى" ،كيف لا تنطق السكرتيرة و عرفها يتحدّث عن مليون و ثمانمائة ألف خرجوا لنصرته و مناشدته و دعما لسياساته و تفويضا له بأن يفعل ما يريد فالشّعب يريد و هو الشّعب و الدّولة و الوطن و لا مردّ لكلماته.

نعم مليون و ثمانمائة الف قالها بكلّ ثقة في النفس ليثبت أن مصدرها صفحة فيسبوكية زوّرت خبرا لوسيلة اعلام فرنسية كانت تتحدّث عن 5000 متظاهر خرجوا لنصرة قيس سعيد!

يعني رئيس دولة ينتقي معلوماته من صفحات فيسبوكية!ما شاء اللّه! ما شاء اللّه!

لم يكن اللّقاء لتدارس الوضع الاقتصادي و الاجتماعي و الانسداد السياسي و الأزمة الخانقة الّتي تمرّ بها البلاد المفلسة أو تكاد، فليس للقائد أن يناقش هذه الترّهات مع أيّ كان و وقته أثمن من يضيعه في تناول هذه السّفاسف،

ما يهمّه عدد الرّؤوس من القطيع الّذي خرج "يبعبع" و ذاك الشيخ الّذي يرقص و تلك الّتي تزغرد و خصوصا من لم يخرج أو أظهر ممانعة لعبثه و خالفه فيما يراه، فأولئك هم الخونة و الأشرار و الفاسدون و المأجورون و المنافقون و الجراثيم و الحشرات و يجب تطهير البلاد منهم و يجب تطهير القضاء حتّى يدخل بيت الطّاعة و يستعمله في التطهير و الابادة فهو دوما رجل قانون و لن يفعل شيء إلّا بالقانون أي القانون الّذي يراه!

سكرتيرة الرّئيس صديقة العائلة اللّطيفة ظاهرا الطيّعة الهادئة النّجيبة الّتي تستمع جيّدا و هي مطأطأة الرّأس و الّتي لم تتحدّث إلى حدّ الآن و عدم اتقانها للعربية ليس عذرا فيمكن أن نسمعها بلغتها، لغة موليار و الّتي استدعيت كواجهة لتزيين وجه الانقلاب القبيح، نطقت أخيرا و همست" ما شاء اللّه".

كلّ ذلك يجري في ظلّ عطب أصاب منصّات التّواصل الاجتماعي كلّف مؤسّسة الفيسبوك اكثر من 20 مليار دولار خلال ستّ ساعات، أي خلال ست ساعات بامكان تلك المؤسسة أن تجني ارباحا ما قيمته ميزانية تونس ، فما خسائرنا ترى مع هذا العطب التّاريخي و حادث السّير المرير الّذي تعرّضنا له منذ أكثر من شهرين؟

أمام هذا المشهد العبثي سنردّد ما قالته السكرتيرة " ما شاء اللّه" و موعدنا يوم الأحد القادم 10 أكتوبر لإنقاذ ما يمكن إنقاذه إن شاء اللّه.

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات