"وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى"

Photo

هنغاريا تريد ترسيخ نوع الجنس في الدستور إذ تقدّمت الحكومة الهنغارية يوم الثلاثاء 10 نوفمبر 2020 بمشروع تعديل دستوري ينصّ على أنّ" الأمّ امرأة والأب رجل" وتعريف الجنس على أنّه جنس الولادة فقط.

قد يبدو الأمر بديهيا وتعبيرا عن مسلّمات لا تحتاج إلى تفسير أو تشريع وقانون، كمن يفسّرالماء بعد الجهد بالماء أو كمن يقرأ أحد فصول الكتاب الأخضر حينما كان يتحدّث عن حقّ ترشّح المرأة سواء كانت ذكرا أو أنثى!

فما الّذي يجعل ما يعتبر أمرا طبيعيا متناغما مع الفطرة ومنسجما مع المنطق مستهجنا ومندّدا به من قبل البعض؟

_ هل كفرت هنغاريا؟

ما طرحته وزيرة العدل الهنغارية "جوديت فارجا" كان صادما لأوربّا وللغرب بصفة عامة اذ اعتبر ذلك مسّا بالحرّية الشخصية وضربا لقيم اللّيبرالية والحداثة والتنوير والمدنية خصوصا وأنّ النصّ المقدّم يتضمّن أيضا بما يفيد أنّ التعليم يتمّ توفيره وفقا للقيم القائمة على الهويّة الدستورية للمجر والثّقافة المسيحية.

الخطوة المجرية المزمع اتّخاذها بالرّغم من ضغوطات الاتحاد الأوربي ستفتح جدلا واسعا حول القيم الكونية الّتي تسعى العولمة المتوحّشة أن تفرضها قسريا منتهكة خصوصيات المجتمعات والاختلافات الثقافية.

هي خطوة تصحيحية ومحاولة لإنقاذ ما يمكن انقاذه من قلب أوربا في حين تتواصل الحملات التدميرية الممنهجة لمجتمعاتنا والقصف المركّز لكينوناتنا للتفتيت وإعادة التشكيل وفق صياغتهم وقراءتهم.

الهوية الجندرية أو الجنسانية وشعارات جسدي ملكي والحركات النسوية والمثلية كانت حصان طروادة لاختراق المجتمعات والاستيطان كتفريخات سرطانية تعيث فسادا أينما حلّت.

والمنظومة العالمية المسيطرة الفاسدة المفسدة الّتي دمّرت الإنسان ولوّثت بيئته ودنّست قيمه، تروّج لإنسانها الهجين المستهلك، إنسان التفاهة في عصر الرّداءة وتعلي ما تراه قيما كونية تدخل جنّتها من يؤمن بها وتلقي في نارها كلّ من يكفر بها!

تأسّست العلمانية في سياق تاريخي محدّد لامتصاص الصّدمة الثقافية الّتي أحدثتها الثّورة الصّناعية ولفكّ الارتباط مع مؤسّسة كنسية مترهّلة ومتسلّطة، لتتحوّل عند البعض إلى دين جديد له طقوسه وإثابته وعقابه، ويبدو أنّ قلب أوربّا قد بدت عليه علامات الردّة والكفر البوّاح!

_نظام الزّوجية أو الثّنائية القطبية :

يعتبر نظام الزّوجية أو الثّنائيّة القطبيّة للذّوات شرطا أساسيّا وضروريّا للاجتذاب، الجمع والبناء وكلّ العمليّة التّفاعليّة المادّية الحسّية والمعنويّة العاطفيّة، وثمرتها أو منتوجها ذوات جديدة تحقّق استمرار النّوع في إطار غريزة البقاء، تحفّزه وتنظّمه مكتسبات ثقافيّة لجماعة رغبة منها في الحياة.

والأسرة ما هي الّا مجال تفاعل القطبين، عبارة على بحر افتراضي، انتظام موجه وتناغمه مرتبط بتمايز وتمثّل القطبين كأعمدة فاعلة لهما مركزهما ودورهما.

لن نعود الى اهمّية الاخصاب، الحمل والإنجاب، تكوين الجنين السّليم في بيئة سليمة ثمّ نزوله إلى العالم الخارجي مستكشفا ومستكملا لنضجه ومحتاجا لأسرة، لتنشئته من الالف الى الياء.

احتياجات الطّفل بيولوجيّة ونفسيّة ومرتبطة ببيئته(الوالدين) لإشباعها وتحديد دوره، مركزه، امتصاصه للقيم الخلقيّة، استقلاله وتبلور ذاته.

أغلب الاستنتاجات العلميّة اثبتت اهمّية التّقليد و التقمّص كعاملين اساسيين في تطوّر سلوك الطّفل، و هذا يتطلّب انّه عندما تبدا احساساته في العمل يجد قطبين كلّ له دوره و مركزه، المتميّزين، المتفاعلين و المتكاملين،فتتفعّل مختلف الميكانزمات النّفسية الّتي عبّر عنها فرويد بالحسد للمركز(الذّكر يميل إلى الأمّ و يغير من الأب و أمام عجزه عن المنافسة يقوم بتقليده و تقمّص دوره و البنت بالعكس)،أو تلك النّظريات المركّزة على النّفوذ الاجتماعي.

يبدا الوافد الجديد في تقليد أبويه في الصّوت و الحركات، يمتصّ المرغوب وغير المرغوب فيه بلا إدراك (تجارب وولترز-باندورا1963_1965)، يدعم ذلك الوالدان بما يمثّلانه من خلفيّة ثقافيّة باضفاء الاسم،الضّمير، اللّباسّ ،اللّعب و المعاملة لتتمايز الذّوات ذكرا و انثى فيصير الولد غالبا كأبيه و البنت كامّها، تقليدا و تقمّصا.

كلّ ذلك يتطلّب وجودا حقيقيّا للامّ،متمايزا و متكاملا مع وجود حقيقيّ للاب. وهو ما يجعلنا نقول انّ كلّ تلاعب او استهانة بالفطرة، جينيّا أو بيئيا كالتّشويه أو الخلط بين دوري الرّجل والمرأة (المساواة المزعومة بينهما وهي كلمة حقّ أريد بها باطلا لغاية في نفس يعقوب، الزّواج المثلي، الابوان الغير البيولوجيان..) يمثّل اجراما في حقّ البشريّة لا يماثله اجرام.

فالخطأ المبدئي و المنهجي اصاب الانسانيّة في مقتل و لعلّ ظاهرة العزوف عن الزّواج،نسبة الطّلاق،فساد المنتوج و كثرة الانحرافات و الامراض النّفسية تعود فيما تعود اليه مع أسباب اخرى الى هذه العلّة في المفصل و الأزمة المستفحلة الّتي تعيشها الإنسانية.

(وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ) (72) النّحل.

(وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى) (45) النجم.

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات