ما الّذي يحدث حينما يضع أحدنا مؤخّرته على كرسيّ السّلطة؟ أكيد لم يحصل أن تحوّل هذا الكرسي الى كرسي اعتراف ليسرد لنا أحدهم تجربته الشخصية حتّى نفكّك ظاهرة مستفحلة منتشرة لاحظناها و نلاحظها في أمثلة من عصور غابرة و أخرى معاصرة و حاضرة أفرزها موروث طابعه الاستبداد و التسلّط، و نحتاج لتدخّل علماء الاجتماع و الانثرپلوجيا و الفيزياء و الكيمياء و الفيزيولوجيا لكشف بعض اسرار الظاهرة المثيرة المؤثّرة و الخطيرة الّتي تمسّ الجالسين على الكراسي و المحيطين بهم .
نلاحظ جملة من التغييرات النفسية و العقلية و الفنومولوجية الّتي تبدأ في التمظهر بمجرّد الجلوس على هذا الكرسي السّاحر العجيب، تكون حادّة و بارزة خصوصا لدى من لم يتخيّل يوما أن يجلس عليه و وجد نفسه صدفة عبر انتخاب أو انقلاب يتحكّم في البلاد و العباد، و هي أقلّ حدّة عند من هيّئوا لذلك كأولياء العهد مثلا عبر تدريب مؤخّراتهم الكريمة حتّى تتعوّد الجلوس عليه دون أضرار جانبية كبيرة.
هي متلازمة الكرسي أو لعنة الكرسي تصيب من يجلس عليه و لا يعتبره لعنة و محنة و مسمارا بحجم خازوق، اعراض المتلازمة مختلفة و متنوّعة تبدأ في البروز منذ لحظة الجلوس و تزداد حدّة كلّما طالت مدّته.
يبدو أنّه منذ لحظة أن تلامس مؤخّرات أصحاب الفخامة و الرّيادة كراسيها ، يلتصق العصعص بمركز قاعدة الكرسي و يصبح مركز الثقل في عظام الحوض بحيث يمارس جاذبية قصوى تجعل من الدماغ يهاجر من أعلى الجمجمة الى اسفل عجُزه.
و هكذا يشوّش ادراك الجالس على كرسي السلطة أو العرش و يتشوّه و يعتقد أنّه تمدّد و امتدّ و علا و استعلى ليحيط بمن يحكم.
بمرور الزمن "يتكرّس " من يجلس على هذا الكرسي الّذي يتحوّل لاشعوريا إلى وطن أو مملكة أو دولة حدودها قوائم الكرسي الّتي هي أطراف الحاكم العليا و السفلى بعد أن صار يمشي على أربعة و تقمّصه الكرسي!
أمّا المحكومين فهم أسفل منه يستظلّون بظلّه و يتنفّسون ضراطه و يحمدون اللّه عندما يتبوّل أو يتغوّط!
و غالبا ما يستمرّ هذا المتحوّل المتكرّس المتخشّب في اشباع نهمه اللّامتناهي حتّى يأتي نمل عارض ليأكل منسأته.
تلك هي متلازمة الكرسي عافاكم و عافانا اللّه منها.