أضحى التّنائي بديلا من تدانينا
و ناب عن طيب لقيانا تجافينا
و قد نكون و ما يخشى تفرّقنا
فاليوم نحن و ما يرجى تلاقينا
لا تحسبوا نأيكم عنّا يغيّرنا
أن طالما غيّر النّأي المحبّينا
لم نعتقد بعدكم إلّا الوفاء لكم
رأيا و لم نتقلّد غيره دينا
كلمات و أبيات قالها ابن زيدون الأندلسي مع مطلع الألفية الأولى في حبيبته ولّادة بنت المستكفي بعد أن هجرته و صدّته و أوهمته بميلها لابن عبدوس نكاية فيه و لإغاظته بعد أن دفعتها غيرتها المفرطة إلى الإعتقاد بأنّه يتغزّل بجاريتها!
و هي من قالت:
أغار عليك من عيني و منّي
و منك و من زمانك و المكان
و لو أنّي خبّأتك في عيوني
إلى يوم القيامة ما كفاني.
علاقة ابن زيدون بولّادة كانت فريدة و غير معتادة،ما بينهما لم يكن حبّا عذريّا عفيفا بل عشقا جريئا و عنيفا،فيه الشدّ و الجذب، المدّ و الجزر، و الوصل و الهجر، فيه المصلحة و النفعية و اللذّة والانتقام و السّجن و السّادية.
تذكّرت هذه الأبيات لابن زيدون في متابعتي لما يجري بين الاتّحاد العام التونسي للشّغل و بالتحديد قيادته و السّلطة الّتي اختزلت في رأسها و قد قدح ذات مرّة و استشهد بمقّدمة قصيد "أضحى التّنائي".
ليس مهمّا في هذه الحالة من يكون ابن زيدون و من يتقمّص دور ولّادة فغالبا ما يكون هناك تبادل للأدوار و الأهمّ أنّها علاقة عشق ممنوع تذكي ناره اللذّة و المصلحة و الغيرة و هو أشبه بزواج المتعة.
قيل و اللّه أعلم و أنّ العاشق تذمّر من وجود بعض الوشاة في خلوته و هل يحتاج المعشوق إلى أن يرسل وشاة ليعلم ما يجري و العاشق يبوح بسرٌه قبل أن يطوى يومه؟
و هل توجد قصّة عشق مكتملة دون وشاة و دسائس، و سجن و تجنّي و ظلم و معاناة و عنف و حتّى موت؟
لم أعش تضاربا في مشاعري مثلما أعيشه في أيّام العبث هذه،أأشمت فيمن كان أحد الفاعلين المباشرين المسؤولين عمّا آلت إليه أوضاع البلاد و العباد فأكون مثل الّذي يخصي نفسه نكاية في زوجته؟
أو أهبّ للدّفاع عن منظّمة هي ملك لكلّ التونسيين اختطفت من طرف بيروقراطية وظيفية مصابة بعمى الألوان تمارس السّمسرة و الزبونية مازالت تخاتل و تهادن و لا تملك الشجاعة لأن تسمّي الأشياء بمسمّياتها و لا تعترف بأخطائها برغم إقرارها بأنّ حربا أعلنت عليها من ثكنة العوينة و أنّها صارت مستهدفة؟
أو أنأى بنفسي و أقف على ربوة عالية لأتفرّج و كأنّ المعركة لا تخصّني و الأمر لا يعنيني،فأقع في نفس المطبّة الّتي وقعنا فيها جميعا يوم أكل الثّور الأبيض و كأنّنا لم نقرأ التاريخ القريب و البعيد و لم نفتح كتابا و لم نعتبر بأيّة حكمة.
صدق الشّاعر حينما قال:
تأبى الرّماح إذا اجتمعن تكسّرا
و إذا افترقن تكسّرت آحادا.
حيرة.