رسالة شارع الحرّية الموجّهة إلى من لا يقرأ!

منذ ساعات و أنا انتظر ردّا قد لا يأتي و قد كتبت رسالة بالأمس ضمّنتها بعض مطالبي و آرائي و وجهة نظري، رسالة صاخبة غاضبة هادرة كانت ضمن مئات الرّسائل الّتي رميناها في صندوق البريد الحديدي الصّدئ ، رسالة تقليدية كتبت بحبر ممزوج بالوجع و الألم و قطرات من الأمل، مئات مثلي تنادوا في لحظة صدق ليكتبوا على اسفلت شارع الحرّية و حيطانه دفاعا على الحرّية و المواطنة و الكرامة الإنسانية.

كانت وقفة رمزية ناجحة و رسالة قويّة بقوّة ما تحمله من رموز و معاني و عنوانها سيبقى ذاك الشعار المدوّي : دستور، حرّية ، كرامة وطنيّة ، و أيقوناتها متعدّدة منها تلك الفتاة الصغيرة الّتي لا يتجاوز سنّها العشر سنوات المعبّرة عن الارادة و التحدّي و القوّة و العنفوان و الأمل، و أيضا تلك الأمّ المريضة الواقفة صامدة و هي تتّكأ على عكّازها و الّتي تنتظر متى تحتضن ابنها المسجون لأجل رأيه و تصفية لبعض الحسابات، دون أن ننسى تلك الفتاة الشابة الجالسة على كرسيها المتحرّك و ذاك الكهل الّذي استهزئ بتساقط أسنانه و من فمه من بعض من لا يرون في الفم وظيفة سوى الأكل أو اللّعق و ممّن يعتقدون أنّ فتح الفم لا يجوز إلّا عند طبيب الأسنان!

بعض المئات من مواطني هذا الوطن تنادوا لأجل إطلاق صيحة فزع عسى يتمّ انقاذ ما يمكن إنقاذه ، حاملين رسالة واحدة مفادها أنّهم أصوات أخرى متواجدة لا يمكنها أن تخضع للصّوت الواحد المهيمن الّذي يريد أن يطغى و يطمس بقيّة الأصوات، و أنّهم وجهات نظر مختلفة عن وجهة الرّأي الواحد و المفكّر الواحد و المنقذ الملهم الواحد.

ليس مهمّا الاعداد فالوقفة لم تكن بقصد الحشد و لم يكن وراءها "ماكينة" حزبية بل كانت تلبية لدعوات عفوية كردّات فعل طبيعية للمنحى الاستبدادي الّذي لاح في الأفق و الّذي أضاف للانسداد انسدادا و عقّد أزمة تزداد تعقيدا و فسح المجال لمن هبّ و دبّ لكي يدلي بدلوه و يتدخّل في شؤوننا هاتكا ما بقي لنا من بعض سيادة.

مضمون الرّسالة أنّ هناك بعضا من الشّعب الّذي يريد و قد عبّر عن ارادته بوضوح في رسالة واضحة المعنى دون غموض أو لبس كاسرا بذلك مقولة"الشعب يريد" الضبابية و السّالبة لإرادة شعب لاختزالها فيما يريد الزّعيم الوحيد الّذي وحده يعلم ما الشعب يريد حتّى دون أن يعبّر عن ذلك أو يصيغ مطالبه أو يشارك في صياغتها، فيكفي أن الزّعيم خبير بما يخطر في بال المريد ويعمل على توفير كلّ ما هو له مفيد!

أمّا العنوان الموجّه إليه الرّسالة فهي عناوين و ليست عنوانا واحدا، للدّاخل و الخارج، و أغلب الظنّ أنّ العنوان الرّئيس لن يتجاوب و لن يردّ مباشرة ، فهو إن لم يكن حبيس من صنعه و دفعه للقفز بالزّانة في المجهول لغاية في نفس يعقوب، فهو سجين تصلّبه و رعونته و جنون عظمته الّذي عزلته بمتاريس من الاسمنت المسلّح و جعلته عاجزا عن التعاطي مع الواقع.

الرّسالة كانت موجّهة لمن وراء هذا الرّيبوت "الخردة" لتحيينه و إعادة برمجته فنحن نستحقّ احدى الرّيبوتات الحديثة من الجيل الثالث الّتي بمقدورها أن تتفاعل حتّى شعوريا فتبتسم و تحزن و تواسي من يتعامل معها و في بعض الأحيان تجد الحلول لوضعيات معقّدة ،و كان بالإمكان اعادة برمجة ريبوتنا بما يحترم ذكاءنا و عقولنا!

و يبدو أنّ الرّسالة قرئت بالمعكوس ككلّ مرّة ، فكانت الاجابة بأرقام الزرقوني الحاضرة و الّتي يقع الالتجاء اليها كلّما تضيق بهم السّبل، شعبيّة شعبويّة القائد لم تمسّ و هي كما هي و انتم " و لاشيء" كما يقول الصّافي سعيد الحاضر كما بعض الوجوه الأخرى في الوقفة الاحتجاجية .

لم يكتف الزرقوني بتلك البشارة ليضيف اليها أنّنا بين مطرقة الشعبوية و سندان الفاشية و لا مفرّ لنا من احداها أو كلاهما.

قراءة مغلوطة و خاطئة لرسالة كانت واضحة، يبدو أنّ من قرأها لا يحسن القراءة أو يتعمّد تمديد الأزمة. هي رسالة أولى ستتبعها أخرى حتّى تتحسّن قراءتهم و يتطوّر فهمهم، لن ترهقنا الكتابة .

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات