خرق جسيم للحق النَّقابي وللحق في المفاوضة الجماعيَّة المكرَّسة بالاتِّفاقيَّات الدُّوليَّة

تصعيد جديد غير محسوب العواقب من وزير التَّدابير الاستثنائيَّة لتصفية خلافاته مع المركزيَّة النَّقابيَّة باتِّخاذ "عقوبات جماعيَّة" بإنهاء مهام 350 مدير مدرسة ابتدائيَّة وحجب أجور 17 ألف معلِّم تمسَّكوا بالحقِّ النَّقابي وبالحق في المفاوضة الجماعيَّة المكفولة بالاتِّفاقيَّات الأساسيَّة لمنظَّمة العمل الدُّوليَّة وخاصَّة عدد 87 (اتِّفاقيَّة الحرِّيَّة النَّقابيَّة وحماية حقّ التَّنظيم النَّقابي) وعدد 98 (اتِّفاقيَّة حقّ التَّنظيم والمُفاوضة الجماعيَّة) لسنتي 1948 و1949، والَّتي صادقت عليها بلادنا إبَّان الاستقلال المجيد، والَّتي تسمح للنَّقابات بالتَّظلُّم الدُّولي لدى اللَّجنة الدُّوليَّة للحرَّيَّة النَّقابيَّة التَّابعة لمنظَّمة العمل الدُّوليَّة..

وكان لجأ إليها النَّقابيُّون أثناء الاستعمار الغاشم بعد القمع الوحشي لسنوات 1952ـ1953 للحركة النَّقابيَّة الوطنيَّة ممثَّلة في الاتِّحاد العام التُّونسي للشُّغل، في شكاوى دوليَّة بقيادة الرَّاحل سي النُّوري البودالي الأمين العام بالإنابة، بعد اغتيال الزَّعيم الشَّهيد فرحات حشَّاد من طرف الدَّولة الاستعماريَّة الفرنسيَّة واعتقال نائب الأمين العام الفيلسوف المُربِّي سيدي محمود المسعدي واقتياده وثلَّة من إخوانه النَّقابيِّين إلى المحتشد، لإجبار فرنسا الاستعماريَّة على الوفاء بالتزاماتها الدُّوليَّة والامتناع عن "العقوبات الجماعيَّة" والكف عن التَّضييق ضدَّ النَّقابيِّين وحرِّيَّة العمل النَّقابي في تونس المحتلَّة من طرف الجيوش والإدارة الفرنسيَّة..

وكان لتلك التَّجربة بالغ الأثر في إقناع قيادة الحركة الوطنيَّة باستعمال الآليَّات الدُّوليَّة المُتاحة لحل النِّزاعات وبتكريس الحق النَّقابي في الفصل الثَّامن من دستور غرَّة جوان 1959 المجيد: "الحق النَّقابي مكفول" بدون إضافة الصِّيغ المعتادة لفرض قيود قانونيَّة على ممارسة الحق الدُّستوري..

كما لجأت الحركة النَّقابيَّة بعد الاستقلال، وبالأخص الاتِّحاد العام التُّونسي للشُّغل، مرَّات عديدة للتَّظلُّم الدُّولي، الَّذي نجح في إجبار الحكومات المتعاقبة على الالتزام بتعهُّداتها الدُوليَّة..

وبقطع النَّظر عن وجاهة "حجب الأعداد" كتحرُّك نضالي أقرَّته الهياكل النَّقابيَّة المنتخبة ديمقراطيًّأ وتريد حكومة الرَّئيس للتَّدابير الاستثنائيَّة تكسيره لا ديمقراطيًّا، فإنَّ تصرُّف وزير التَّدابير الاستثنائيَّة يطرح أكثر من سؤال حول مدى وجاهة وقانونيَّة وشرعيَّة ومشروعيَّة ما يرتكبه من خرق جسيم للحق النَّقابي وللحق في المفاوضة الجماعيَّة المكرَّسة بالاتِّفاقيَّات الدُّوليَّة الملزمة قانونا لتونس منذ التَّصديق عليها..

هاته المرَّة، جاءت الطَّعنة في الظَّهر من أحد أبناء المنظَّمة الَّذي يستغلُّ فرصة التَّوزير العابر للصُّدفة العابرة في معركة كسر العظام مع المركزيَّة النَّقابيَّة وفي تصفية صراعاته النَّقابيَّة الشَّخصيَّة السَّابقة، على حساب المبادئ النَّقابيَّة وعلى حساب تونس ومصالحها وسُمعتها ومصداقيَّاتها..

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات