"مصباح صلاح الدِّين" لبيع الأوهام

أوامر إقالات رئاسيَّة دُبِّرت واتُّخذت وأُعلنت بلَيْل والنَّاس نيام "لتوفير كل الظُّروف الملائمة لتنظيم الدَّورة(ةةة) الثَّانية(ةةة) لانتخاب أعضاء مجلس نوَّاب الشَّعب" أواخر جانفي 2023، بعد نسبة المشاركة الهزيلة في الدَّور الأوَّل أواسط ديسمبر 2022..

المتأمِّل في التَّدوينة الفايسبوكيَّة لمصالح رئاسة الجمهوريَّة المنشورة ليلة أمس يلاحظ غياب التَّناسق بين "الصَّدر" و"العَجُز" وداخل "الصَّدر" نفسه، والخلط اللُّغوي بين الانتخابات والامتحانات، وغياب التَّناغم بين الشَّكل والمضمون، وإسقاط ابتسامة "القصبة" الصَّفراء في غير محلِّها في فيديو الصُّور المتحرِّكة بدون صوت لموسيقى الجينيريك اليومي..


…

فقد استهلَّ صدر الخبر ب"تناول الوضع العام في البلاد" وهو أمر من صميم عمل السُّلطة التَّنفيذيَّة، و"الوضع العام" هو الوضع السِّياسي والمعيشي والاجتماعي والاقتصادي والمالي والغذائي والبيئي والمائي.. ثُمَ القفز على كل ذلك من شؤون "الوضع العام" والمرور للتَّركيز على "ما لاعلاقة"، على "ضرورة توفير كل الظروف الملائمة لتنظيم الدورة الثانية لانتخاب أعضاء مجلس نواب الشعب"، بعد العُزوف/المُقاطعة الشَّعبي(ة) واسعة النِّطاق وانحسار المُشاركة في حدود 8.8% "صَّعدتها" هيئة الرَّئيس للانتخابات إلى 11.2% اصطناعيًّا، بما لم يقنع أحدا بما في ذلك رئيس الجمهوريَّة الَّذي أقرَّ "تلميحا" بل "تصريحا" بالجدل حول النِّسبة بين 9% و11%..

وهذا "التَّفريع" في تديونة البلاغ الرِّئاسي المُفسبك غير متناسق مع ما سبقه ولا يهمُّ عمل السُّلطة التَّنفيذيَّة برأسيها، الرَّأس الكبير في قرطاج مبسوط الأيدي فوق منضدة مكتب خالٍ من الأوراق والملفَّات والرَّأس الصَّغير في القصبة مكتوف اليدين، إلَّا إذا ما كانت سلطة ("قرطاج ـ القصبة" التَّنفيذيَّة) تعتبر أنَّ السُّلطة التَّشريعيَّة تَتْبَعُها وتتَّبِعُها في باردو..

ولا علاقة لكلِّ ذلك إطلاقا بتناسق المضمون مع صورة الفيديو المصاحبة ولا بابتسامة السَّيِّدة رئيس حكومة الرَّئيس للتَّدابير الاستثنائيَّة، لأنَّ نسبة المشاركة المُتدنِّية والعزوف الواسع والتَّذمُّر الأوسع من غلاء المعيشة واهتراء الطَّاقة الشِّرائيَّة تحت وطأة "مرسوم الماليَّة" للمَجبى وانقطاع المواد الأساسيَّة من الأسواق المواد وشُح السّيولة وانخرام التَّوازُنات الماليَّة للدَّولة وتعثُّر المشاورات مع الجِهات "المُنَاحَة" وانكسار مفتاح "تَسَامُح الدُّيُون" السِّحري في صديد أقفال "مصباح صلاح الدِّين" لبيع الأوهام.. إلَّا إذا كانت رئيسة حكومة الرَّئيس للتَّدابير الاستثنائيَّة تعيش في عالم آخر أو على كوكب آخر..

ولا علاقة لكلِّ ذلك إطلاقا، لا شكلا ولا مضمونا، مع ما ورد في في العَجُز استنتاجات أو قرارات للإجابة عن "التَّناول"، من أنَّ رئيس الجمهوريَّة "قرَّر"، بدون تعليل وبدون علاقة بما سبق، "إنهاء مهام السيدة وزيرة التجارة وتنمية الصادرات"، كما "قرَّر" وبدون تعليل ولا علاقة بما سبق، "أيضا، إنهاء مهام السيد والي صفاقس" الَّذي تمَّ تعيينه تحت سلُطان التَّدابير الاستثنائيَّة..

إلَّا إذا كانت الإقالات اللَّيليَّة تهدف لامتصاص ما تيسَّر من الغضب الشَّعبي على سلوك البعض من وزراء ووُلَّاة التَّدابير الاستثنائيَّة لرئيس الجمهوريَّة، أملا في التَّرفيع "اصطناعيًّا" في نسبة المشاركة في الدَّور الثَّاني للانتخابات التَّشريعيَّة، لإفراز برلمان الرَّئيس وإدخال دستور الرَّئيس حيِّز النَّفاذ وتنفيذ خارطة طريق الرَّئيس وإنجاز مسار الرَّئيس..

والأطراف في البلاغ الرِّئاسي المُفسبك هو استعارة لفظ "الدَّورة الثَّانية" مؤنَّثةً من القاموس المدرسي والجامعي للامتحانات، في حين استقرَّ الاستعمال الانتخابي الدِّيمقراطي لُغة واصطلاحا على مفردات: "الدَّور الأوَّل" / "الدَّور الثَّاني" (الدَّور مذكَّرا وليس الدَّورة بالتَّأنيث)، أو "الجولة الأولى" / "الجولة الثَّانية" ـ "جولة الإعادة" لمن كان يروم الاستعمال المُؤنَّث، من رَحِمِ ومن رَحْمَة اللُّغة العربيَّة..

والأخطر من "الخلط اللُّغوي" بين "الدَّور الثَّاني للانتخابات" و"الدَّورة الثَّانية (التَّدارك) للامتحانات" ومن "اللَّخبطة الحسابيَّة" لضمِّ نِسب "(النَّجاح/الرُّسوب)" في الدَّورتين في الثَّانية (الامتحانات والمُناظرات المدرسيَّة والجامعيَّة) والإفراد الوجوبي في نسب (المشاركة/العُزوف ـ المُقاطعة) في الأولى (الانتخابات) والأخذ بأعلاها أو أدناها في دورِها الثَّاني فقط دون ضمِّها؛ وذلك "من المعلوم من الحساب والدِّيمقراطيَّة بالضَّرورة"، وتصبح بميزان النَّزاهة والتَّقوى "من المعلوم من الدِّين بالضَّرورة"؛

والأخطر من غياب التَّناغم بين "تناول الوضع العام" وحصره في "ضرورة توفير كل الظروف الملائمة لتنظيم الدورة الثانية"، ومن تجسيد آليَّة هاته "الضَّرورة" في "إقالة" وزيرة التِّجارة وتنمية الصَّادرات في حكومة الرَّئيس للتَّدابير الاستثنائيَّة و"إقالة" والي الرَّئيس للتَّدابير الاستثنائيَّة على صفاقس العاصمة الاقتصاديَّة للبلاد؛

الأخطر من كل ذلك، وبدون اعتبار كارثيَّة الأداء لسلطات التَّدابير الاستثنائيَّة جُملة وتفصيلا، فإنَّ الأخطر من كل ذلك هو ترك مرافق حيويَّة وزاريَّة وولائيَّة وإداريَّة بدون وزراء ووُلَّاة بعد إقالة القائمين عليها..

فقد جرت عادة الدَّولة التُّونسيَّة كسائر الدُّول على عدم ترك المناصب شاغرة، وتعيين زملائهم بالنِّيابة حالًّا إلى غاية سدِّ الشُّغوارت.. فالدَّولة لا تَسِير ولا تُسيَّر بالشُّغورات..

بل إنَّ من علامات "الفساد الأكبر" ترك الوزارات والإدارات والمُنشآت والمؤسَّسات بدون مسؤول، فيستشري الإحساس العام باللَّامسؤوليَّة وتَتَمَأْسَسُ ثقافة "اللَّامسؤوليَّة" ويعمُّ الفساد بكافَّة أشكاله وتمظهراته، وتضيع الدَّولة وهيبتُها وتضيع مصالح البلاد والعباد.. بل ويؤدِّي ذلك إلى "غياب الدَّولة" في حين يردِّد رئيس الدَّولة أنَّه ما بغى" عليها وإنَّما "ابتغى" إنقاذها عندما "اتَّخَذَ ما "اتُّخِذَ من قرارات"، فكأَّنه يفعل ما لا يقول وتؤدِّي "قراراته" لغياب الدَّولة ونشر الفوضى و"تباغي" النَّاس بعضهم عن بعض، "فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَىٰ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ"..

حفظ الله تونس من ثقافة "اللَّامسؤوليَّة" وممَّا أصاب عادا وثمود من قبلنا: "كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بِالْقَارِعَةِ، فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ، وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ، سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَىٰ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ، فَهَلْ تَرَىٰ لَهُم مِّن بَاقِيَةٍ"، (الحاقَّة، الآيات 4ـ8)، صدق الله العظيم.

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات